اخبار محلية

بري للحريري: “مِش هيك اتفقنا”

المصدر: ليبانون ديبايت

أحدٌ لم يصدق المزحة هذه المرة. لا أولئك الذين نزلوا إلى الشارع يوماً، أو من تقاعس منهم. حتى الدولار الذي اعتاد الهبّات السخنة والباردة مع كل تطوّر، لم “يؤيّد عقله” بكل منصاته، على الإيجابية المفبركة في مكاتب الطبقة الحاكمة، وملحقاتها الإعلامية. فـ “ما حدا قابض خبرية الحكومة جَدّ”، حتى أن بعض السياسيين يبشّرون ويعملون “عكس السير”، معتبرين أن الإنفجار قادم قادم، لا محال، سواء بحكومة أو بدونها.

فالجميع في انتظار تصاعد الدخان الأبيض، الذي لن يروه قريباً، رغبة الحركة من دون بركة التي تقودها عين التينة، التي وقعت في الفخ، بمؤازرة من بكركي ودعم جنبلاطي، وتكليف من الحارة وبركة رسولية، وتقاطع فرنسي – روسي – مصري، لن تُصرف، إلاّ اعتذاراً من الرئيس الحريري، وفقاً لمخرج مشرّف يعمل عليه.

فوساطة صاحب الأرانب، التي لم يظهر شيء جديّ منها حتى الساعة أقلّه إلى العلن، يراهن أصحابها على اقتناع الأطراف المعنيين بوصولهم إلى الحائط المسدود، وحاجتهم للنزول عن الشجرة، كباب وحيد لإحداث ما يتمنّون من خروق، “معزّزة” بجرعات من التركيبات الحكومية المختلفة التي يعمل عليها المعاونون، مصدّقين أن الشفاء سيكون عن طريقهم. لما لا؟ فـ “يا عنتر من عنترك، تعنترت وما حدن ردني”.


في بيت الوسط، لا تفاؤل ولا ما يحزنون، “صارت القصة ورا ضهرن، لهلّق ما حدن بلغنا شي، وبكل الأحوال نحنا على مواقفنا”. ولكن ماذا جرى في الإتصال الهاتفي بين الإستيذ والشيخ؟ وبين الأخير والبيك؟ لا شيء يذكر، كلام في العموميات، إذ أن المطلوب معروف وواضح.


على ضفة بعبدا ارتياح بعد زركة، بعدما أصبح موقفها التفاوضي “أريَح”، مع نجاح حملتها في حشر المكلّف وتجييش حلفائه في الداخل ضده، بدليل ما يسرّب عن بكركي وعين التينة. لكن تلك الإيجابية لا تُسقط من حساباتها احتمالات الفشل المرتفعة، وبالتالي، الإنفتاح على مروحة واسعة من الخيارات والخطوات التي ستفاجئ الجميع نوعاً وتوقيتاً، خصوصاً أن الطابة لم تعد في ملعبها. ليبقى السؤال، هل من مصلحة الرئيس عون وعهده تشكيل حكومة اليوم، بعدما انتزع إقراراً دولياً ضمنياً بالإنتقال إلى ساحة النجمة؟ الجواب بالتأكيد لا، لأنه في حال توقيع مرسوم التشكيل سيكون التوقيع الأخير لرئيس الجمهورية.


بالتأكيد، هذه القراءة السوداوية للمشهد لا تأتي من فراغ، بل تستند إلى جملة معطيات أبرزها:


- إشتعال” المسخرة” القضائية على خطين، الأول، معركة “كسر العضم” بين مدعي عام التمييز غسان عويدات والقاضية غادة عون وفريقها، وما لذلك من ارتباط باسم القاضي عويدات كمرشح لرئاسة الحكومة، والثاني، ما اصطُلح على تسميته بمرسوم تعيينات مجلس القضاء الأعلى، الذي رفعته وزيرة العدل ماري كلود نجم إلى رئاسة الحكومة، ضاربة عرض الحائط بكل التوازنات السياسية، مغازلةً القوى الثورية، في نهج يبدو أنه سيطبع المرحلة المقبلة في معارك العهد ضد الخصوم.


- “اللّت والعَجن” الذي رافق زيارة قائد الجيش جوزيف عون، إلى باريس ولقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومحاولة لعب البعض على حبال التناقضات، في محاولة “ما بتطعمي خبز”، معطوفاً على ذلك البيان الصادر عن وزارة الدفاع الأميركية والصيغة التي جاء بها، ما يعني عملياً أن ما من أفق مفتوح للحل قريباً. وستكون لنا عودة لاحقة ومفصّلة لهذا الملف.


- تأكيد مصادر رئاسة الجمهورية، أنها تبني على الإيجابية السائدة هذه الأيام، خصوصاً مع اقتناع رئيس مجلس النواب نبيه بري، والبطريرك الماروني بشارة الراعي، بصحة خيارات الرئيس ميشال عون، ومواقفه في مسألة التشكيل، ما يعني عملياً تغيير موازين القوى لغير صالح الرئيس المكلّف. فصيغة “لا غالب ولا مغلوب ما عدش تزبط بعد هذا الحكي “. فهل لعاقل أن يصدّق أن هكذا تسريبة يمكن أن تساهم في تسهيل حل  ما؟


- وجود الرئيس المكلّف خارج البلاد، والذي طال أكثر مما كان مخطّط له، وهو ما أثار ريبة “إستيذ” عين التينة، ودفعه إلى الطلب من شيخ الوسط العودة إلى بيروت، ليُبنى على الشيء مقتضاه. فهل بقاؤه في الخارج يعني عدم التوصل إلى حلّ بعد يسمح له بخروج آمن من جنّة التكليف؟ وهل تعني عودته أن مراسيم التشكيل على طريق التوقيع؟


- زيارة السفير السعودي إلى بكركي، مع ما تحمله من معان في ظلّ الدور الكبير الذي يلعبه البطريرك الماروني على صعيد تعويم وإنعاش العلاقات مع المملكة، بعدما تعذّر على رئاسة الجمهورية متابعة المسار الذي سلكته على هذا الصعيد نتيجة عوامل عديدة داخلية وإقليمية.


- نعي نائب رئيس تيار “المستقبل” مصطفى علوش، الإيجابية التي سوّق لها البعض والتي باتت وراءنا، لاطشاً عين التينة وبعبدا وجميع العاملين على خط” المزحة الحكومية” الجديدة. مع ملاحظة أن الدكتور قلّما أخطأ بمعلوماته وتقديراته.


- وصف أحد المطلعين على خفايا لقاء “حاجي” الثنائي الشيعي مع النائب جبران باسيل، أجواء اللقاء بأنها تشبه الطقس في اللقلوق ليلاً، حيث حرارة النهار تمحوها درجات المساء.


- ما زال “حزب الله” على إصراره بعدم تقديم أي تنازلات جدية، وعلى إمساك العصا من النصف وفقاً لمقتضيات مصلحته حالياً، رغم كل الضغوط التي أفضت بالسيد حسن نصرالله، إلى الخروج أمام الإعلام ورمي كرة النار عند الرئيس بري، رغم حالته الصحية. وقد يكون أصاب في ذلك أكثر من حجر في وقت واحد يُترك للأيام أن تبيّنها، في زمن ممارسة الحزب للتقيّة بكل معانيها منذ انطلاق عهد الرئيس عون.


- الإيجابية المفرطة في غير محلها حول ما بلغته المفاوضات في فيينا، وارتباط ذلك بالحلحلة اللبنانية، في مجافاة واضحة للحقائق بكل أبعادها.


- تحرك الإتحاد العمالي العام في “الوقت الميت”، في محاولة إحتوائية  إستباقية من قبل مرجعيته السياسية، لضبط حركة الشارع لحظة الإرتطام، الذي بات وشيكاً سواء شُكّلت حكومة أم لم تُشكّل. غير أن تلك الإستراتيجية لن تنجح، شأنها شأن تلك المتعلقة بتحييد القوى العسكرية والأمنية عن تداعيات ما ستحمله الأسابيع القادمة. مع العلم أن رئيس الجمهورية ردّ بطريقة غير مباشرة عبر توقيعه مرسوم إحالة مشروع قانون البطاقة التموينية، بكل مشاكلها وعقدها من تمويل وتنظيم، ما سيبقيها حبراً على ورق، وسط تسارع الأزمات واستفحالها.


- دخول الإستحقاق النيابي على الخط باكراً، لدى جميع الأطراف بما فيها رئاسة الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، حيث يرى البعض في الجدل الذي ساد خلال الساعات الماضية، حول أحد المراسيم التي صدرت عن رئاسة الجمهورية، صفارة الإنطلاق للمعركة الإنتخابية في دائرة كسروان – جبيل، التي ستشهد الكثير من المفاجآت المدوّية.

لن يتأخر كثيراً قبل أن يظهر الخيط الأسود من الأبيض، فمن شرب البحر لن يغصّ بالساقية، ويا خبر اليوم بمصاري وبكرا ببلاش… فإمّا أن تصيب مع الإستيذ وإمّا أن تخيب… يقول الشاطر الحسن، ولكن في الحالتين، إلى الشارع درّ، على أمل ارتطام سالم وآمن… والمي بتكذب الغطاس. بناء لكل ذلك “مجنون يحكي وعاقل يفهم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى