اخبار محلية

عون: “ما حدن بيقدر يربّيني”

المصدر: أساس ميديا

يتحدّث القريبون من الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي عن مهلة “أخلاقية”، قبل أيّ شيء آخر، تقيّد نائب طرابلس في مسعاه إلى تشكيل حكومة، ما يعني عدم تبنّي المهلة المفتوحة في التأليف، و”رأس سقفها” نهاية الشهر الحالي. يذكّر التوصيف مباشرة بمسار التسعة أشهر الذي قاد الرئيس سعد الحريري في النهاية إلى الاعتذار وتغطية تكليف ميقاتي… ثمّ فتح النار على ميشال عون وجبران باسيل وحزب الله. وقد أتت باخرة المحروقات الإيرانية شحمة على فطيرة بيت الوسط.

ليس فقط مقاربة مهلة التأليف التي تباعد بين عضويْ نادي رؤساء الحكومات. ما لا يدركه كُثُر أنّ مناصري الحريري باتوا يراهنون علناً: “ميقاتي سيعجز عن التأليف، وعون ما بشوفها للحكومة”.

أمّا الحريري شخصياً فليس طبعاً من مناصري “جمعية إنقاذ العهد”، بمعنى رؤية نجيب ميقاتي يؤلّف فريق عمل مُنسجِماً وإنقاذيّاً بالتعاون مع رئيس الجمهورية وبدعم من المجتمع الدولي في مسار قد يحقّق هدفين هما بمنزلة “مقتل” للحريري: تعويم العهد سياسياً، وتكبير حجر زعامة رجل الأعمال نجيب ميقاتي، وإشرافه على الانتخابات النيابية (وربّما خوضها)، ما قد يمهّد لرئاسته حكومة ما بعد الانتخابات. كلّ كلام غير ذلك هو من باب التذاكي والتحايل على وقائع يعرفها جيّداً أهل الكواليس.
لكنّ هذه الواقعية لا تحجب ما يجري من تطاحن سياسي بين قوى الأمر الواقع يُصعّب أكثر فأكثر ولادة الحكومة، ويعيق مهمّة ميقاتي، المُشارك بدوره في عملية الفرز بين معسكرين أساسيّين في ظل الانسياق الجنونيّ في الداخل نحو الفوضى الشاملة:

المعسكر الأول: الساعي إلى ثلث معطِّل في الحكومة، وهو محور عون-باسيل، وفق رؤية خصوم العهد. والدليل عودة العراك على خط الاسمين المسيحيّين التوافقيّين بين عون وميقاتي، والمُفترض أن يكمّلا حصّة عون من الأسماء المسيحية الستّة العائدة له. وهذه الأسماء تضاف إلى وزيريْ الطاشناق وطلال إرسلان، ما يرفع العدد إلى عشرة.

المعسكر الثاني: هو المحور المضادّ له الذي يستخدم كلّ الأسلحة الثقيلة لوضع العصيّ أمام تمكّن ميشال عون من تشكيل آخر حكوماته، والتصدّي لمشروع “الثلث المعطِّل المسيحي”.

وآخر الجولات على المستوى السياسي نَسف الحريري مرّة جديدة فرص تشكيل الحكومة عبر تساؤله “أيّ حكومة هذه التي ستفتتح عملها باستقبال السفن الإيرانية؟”، في ظلّ صمت مطبق من الرئيس المكلّف على إعلان حزب الله وصول شحنات المازوت من طهران خلال أيام. نائب طرابلس يكاد يبقّ البحصة: “أعفوني من تشكيل الحكومة”.

أمّا على مستوى مشاورات التأليف، فقد تلقّفت دوائر القصر الجمهوري باستياء كبير تراجع ميقاتي، بعد لقائه المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، عن عدّة أسماء كان تمّ التوافق عليها مع عون، من ضمنها أربعة من أصل ستّة أسماء هي حصّة رئيس الجمهورية الخالصة في الحكومة.

عمليّاً، دخل شقير منذ تكليف الحريري على خط تذليل العِقَد بين الطرفين. لكنّ دوره ظُهِّر إلى العلن أكثر بعدما فضّل ميقاتي التقليل من لقاءاته مع عون ما داما لم يتجاوزا الألغام الجدّية التي تعيق التأليف.

وتنفي مصادر قريبة من بعبدا لـ”أساس” نيّة رئيس الجمهورية الاستئثار بعشرة أو أحد عشر وزيراً في الحكومة. وتوضح: “حصة رئيس الجمهورية ستة وزراء، إضافة إلى الطاشناق ووزير طلال إرسلان. وغالبية الحقائب والأسماء تمّ التوافق عليها، لكن حصل انقلاب في الساعات الماضية خربَط كل المسار وثبّت مشروع نسف التركيبة الحكومية”.

وقد أعفى بيان رئاسة الجمهورية الصادر أمس الرئيس المكلّف من مسؤولية هذا الانقلاب بإشارته إلى أنّ الأخير “واجه مطالب تتزايد وتتبدّل من آخرين ما انعكس تأخيرًا في إصدار التشكيلة. والأمر قائم ومتكرّر على أمل تذليله بتعاون الرئيسين”، مبدياً خشيته من أن يكون الهدف “الدفع بالرئيس المكلّف إلى الاعتذار بغية إبقاء البلد من دون حكومة”.

وتضيف المصادر أنّ “التنكيل بالمبادئ المتّفق عليها في تشكيل الحكومات منذ 2009، بدأ مع تكليف الحريري قبل تسعة أشهر، ولا يزال مستمرّاً مع ميقاتي. رئيس الجمهورية متجاوب جدّاً، وهو أكثر طرف متضرّر من حالة المراوحة، لكنّه لن يقبل بالانقلاب على مسلّمات الحدّ الأدنى، ومنها مشاركة الآخرين في تسمية جزءٍ من فريقه الوزاري، ومنعه في المقابل من المشاركة في تسمية وزراء شيعة أو سنّة. هناك مَن يسعى إلى أن “يُربّي” ميشال عون، ولن نقبل بالأمر”.

ويوجّه محيط عون اتّهامات صريحة إلى الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري بتعطيل عملية التشكيل، وتفجير مشروع الحكومة. وكادت قناة “أو تي في” المحسوبة على العهد أن تسمّي المتّهمين من خلال إشارتها إلى “العاطلين والمعطِّلين، الظاهرين منهم والمختبئين، سواء وراء الكواليس، أو خلف البحار، المصرّين على استهداف كلّ حلّ محتمل بشرط، وكلّ أمل وليد بأرنب”.

وفيما اشتغل الوسطاء، من ضمنهم حزب الله، لإقناع ميقاتي بأنّ عون لا يريد الثلث المعطِّل، يؤكّد معنيّون أنّ “الثلث العوني” يتبدّى من خلال حصّة تضمّ وفق آخر المعطيات:

ثمانية وزراء مسيحيين من ضمن الحصّة العونية، اثنان منهم يُسمَّيان بالتوافق، وهذا الأمر هو معضلة أساسية تشكّل عائقاً أمام التأليف.

أمّا الحقائب من ضمن الحصّة الرئاسية فهي: الدفاع، الخارجية، العدل، الشؤون الاجتماعية، الإعلام، نائب رئيس الحكومة، الطاقة والاقتصاد (من الحصة المسيحية وبالتوافق)، إضافة إلى وزيريْ الطاشناق (الأرجح السياحة أو الشباب والرياضة) وإرسلان (المهجّرين يرفضها حتّى الآن).

وهذه حصّة عشرية يَتّهم خصوم عون أنّه يسعى إلى وضع يده عليها ليسهُل عليه مسيحيّاً “الاستيلاء” وحده على الثلث المعطّل، على أن تكون الاتصالات والبيئة (أو الاقتصاد) من حصّة سليمان فرنجية، وخمسة وزراء سُنّة لميقاتي والحريري، وخمسة وزراء شيعة لحركة أمل وحزب الله.

وهويّة الأسماء المطروحة من جانب عون، وفق متابعين، تثبّت الاتّهام ضدّه. فحقيبة الطاقة، المفترض أنّها توافقية، يطرح لها اسم بيار خوري القريب من العهد. كذلك بالنسبة إلى الطاقة حيث تدور كل الأسماء في فلك بعبدا. ويُزكّي خيار عميد سابق في الجيش قريب منه لحقيبة الدفاع، ويريد مروان أبو فاضل نائباً لرئيس الحكومة.

وتشكّل حقيبة الداخلية أزمة فعليّة داخل الحكومة. فوفق المعلومات، ومنذ الاجتماعات الأولى بعد التكليف، طرح ميقاتي اسم القاضي هاني حلمي الحجار، معاون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ومستشار رئاسة الحكومة السابق. لكنّه قوبل بالرفض من قبل عون الذي سبق أن تعرّف على القاضي الحجار وأُعجِب بشخصيّته وحيثيّته المهنية وخبرته في القضاء والملفّات الأمنيّة.

لكن ما إن سمع عون باسمه من ميقاتي قال له: “أعطني اسماً آخر”. وقد طرح رئيس الجمهورية من جهته اسم العميد في قوى الأمن الداخلي أحمد الحجار الذي شغل موقع قائد سريّة الحرس الحكومي خلال رئاسة ميقاتي للحكومة بعد عام 2011، وهو عضو مجلس قيادة حالي في قوى الأمن الداخلي، ما شكّل إحراجاً لميقاتي.

وبعد الفيتو على هاني حلمي الحجار الذي يرى فيه ميقاتي حلاً وسطاً ببروفيل مناسب للمرحلة نظراً إلى خبرته في الملفات الأمنية والقضائية، ووقوفه على مسافة من الجميع بحكم أدائه في “العسكرية” وعلاقته الجيدة مع عون، دخل بازار التوزير للداخلية أسماء عدة من دون حسم أيٍّ منها حتى الآن، بما فيها اسم اللواء إبراهيم بصبوص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى