اخبار محلية

ذاهبون الى اللاعودة للتعليم الحضوري؟!

المصدر: الديار

عادة ما يستقبل اللبنانيون العام الدراسي، بكثير من الإقدام والحماسة، أمّا اليوم فالهواجس هي سيّدة الموقف، نظرا لكم الضغط الهائل الذي ينتظر الكادر التعليمي والطلاب والأهل من جهة، وإدارات المدارس من جهة أخرى.

ولا يزال قرار عودة التعليم الحضوري أواخر الجاري، يأخذ حيزا واسعا من النقاش التربوي، لتبرز صرخة المعلمين مرتفعة جدا، الى حدّ المقاطعة لرسالة طالما وضعتهم في خانة الرسل، نظرا لهدفها المتمثّل ببناء الإنسان.

معلمو لبنان يرغبون بشدّة العودة إلى التعليم الحضوري، نظرا للشوائب الكثيرة التي أحاطت بقرينة الافتراضي، فجهوزية الأخير لم ولن تكتمل رغم المنصات الكثيرة التي أنشأها كبار خبراء التربية في لبنان، ورغم الجهود التكنولوجية المتميزة التي واكبتها. إنّما بالمقابل للعودة المباشرة شروط يستحيل دونها تحقيق الهدف المأمول من مختلف عناصر العملية التربوية.

«الديار» تقصّت هواجس ومقترحات الهيئات التعليمية في القطاعين الرسمي والخاص، لبدء عام دراسي فاعل بعد عامين من «البعد»، حرم طلابا كثرا من اكتساب الكفايات التعليمية المطلوبة بما تحمله من مهارات ذهنية وحسّية، وتسبّب بتسرّب آخرين، لضعف في إمكانات مدارسهم وأسرهم، كما لم ينصف المعلمون إن كان لناحية الأجر المتأخر والمتقطع أو لناحية الجهودة المبذولة من اللّحم الحيّ.

نقيب المعلمين في المدارس الخاصّة رودولف عبّود أكّد لـ «الديار» أنّ كلّ المسؤولين التربويين والمعلّمين يقولون بضرورة العودة للتعليم الحضوري، إلا أنّ ذلك يتطلب تحقيق مطالب مزمنة، لا سيّما في المدراس التي لا تعتبر فيها رواتب المعلمين قانونية، أي إمّا أنّهم كانوا يتقاضون جزءا من الراتب، وإما يتقاضونه كاملا من دون الدرجات الست، وفي كلتا الحالتين أصبح الراتب اليوم غير كاف، فضلا عن عدم توافر مادة البنزين وسعرها المرتفع، مطالبا بإعطاء المعلمين الدرجات الست في المدراس التي امتنعت عن ذلك، ومنحهم سلفة على الراتب، وإقرار بنزين مدعوم لهم وتخصيص محطات بأوقات محددة لتخفيف عناء الانتظار في الطوابيرعنهم.

أما على مستوى إدارات المدارس الخاصة، فذكّر عبّود بمشروع الـ 500 مليار ليرة، الذي لم يقرّ حتى اليوم في المجلس النيابي، علما أنّه كان مطروحا منذ العام الماضي، وهو مخصص لدعم المدارس سنويا كي تستطيع ان تقوم بواجباتها، فلا تزيد من أقساطها وتغطي رواتب معلميها وموظفيها، داعيا إلى إقرار القانون بأوّل فرصة، كما تحدّث أيضًا عن القانون الذي يقدّم لكل تلميذ بالمدرسة الرسمية والخاصة مبلغ مليون ليرة، مقترحا وضع التقديمات في صناديق المدارس كي تدفع التزاماتها، كما تمنّى على وزير المالية إعطاء فترة سماح عن ضرائب المدارس والمعلمين من السنة الماضية حتى انتهاء الأزمة، عطفا على إلغاء الضريبة الإضافية على المعلمين العاملين في أكثر من مدرسة.

عبّود لفت أيضًا إلى موقف هيئة التنسيق النقابية التي تضم نقابة معلمي القطاعين الخاص والرسمي، الأساسي والثانوي، الأكاديمي والمهني، والمتقاعدين، التي حذّرت في بيانات سابقة مما وصلنا إليه اليوم، إذ كانت تحثّ المسؤولين على ايجاد حلول لكل هذه المشاكل قبل بداية العام وهذا لم يحصل»، وأضاف: « نحن ذاهبون الى اللاعودة الى التعليم الحضوري وهذا ليس رغبة منا إنما لعدم امكان المعلمين البدء بعامهم الدراسي من دون رواتب، معتبرا أنّ الفرصة لا تزال سانحة لإيجاد الحلول لمعاودة التعليم بشكل طبيعي».

رغم كلّ الحيثيات المعيقة للعودة الحضورية، هناك مدارس رتّبت أوضاعها وقرّرت فتح ابوابها، وحدّدت أقساطها وأجرة نقل طلابها. عبّود اعتبر في هذا الشأن أنّه من البديهي أن تفتح المدراس أبوابها، ولفت إلى أنّ هناك مدارس أعطت الدرجات الست والرواتب كاملة خلال السنوات السابقة، وتريد إعطاء سلفة اليوم، مشيرا إلى أنّه كلما كانت السلفة كافية، كلّما كان الرجوع الحضوري ممكنا، وأنّه إذا أدّت المدرسة كلّ واجباتها تجاه معلميها فلتبادر الى بدء عام حضوري، أمّا في حال لم تكن كذلك، فلا بدّ أن يكون هناك موقف للمعلمين قبل بدء التدريس، وشرح أنّ النقابة تؤمن للمعلمين الغطاء القانوني للمطالبة بحقوقهم، وحثّهم على الالتزام بقرارها، وألا يدخلوا المدرسة قبل أن يعرفوا مصيرهم وما الذي سيتحقق من مطالبهم.وأضاف أنّ هناك من يتحدّث حول مساعدات خارجية وقروض ميسرة للبنان من البنك الدولي واليونيسف، داعيا إلى تخصيص جزء من هذه المبالغ للقطاع التربوي الخاص كي تنطلق العملية التربوية والتعليمية، وأن يعطى هذا القطاع الأولوية، لأنّه يضم 80 % من المجتمع اللبناني، ولا بدّ أن نعاود التعليم حضوريا بعد ازالة كل هذه العراقيل التي تجعل من العودة للمدرسة بالظروف الحالية شبه مستحيلة.

أما القطاع الرسمي فليس بأفضل حال فهو ذاك القطاع الثانوي الذي يشكل محط اهتمام دولي من الجهات المانحة والمنظمات الإنسانية نظرا لاستيعابه طلابا غير لبنانيين، الا أنّ أقطاب السياسة في لبنان الذين تعاقبوا على وزارات التربية سابقا، لم يمنحوا القطاع إلا فتاتا من تلك المنح، فيما تبخرّ القسم الأعظم في مزاريب الهدر والفساد.

رئيس رابطة اساتذة التعليم الثانوي الرسمي، نزيه جباوي، اعتبر في حديثه لـ»الديار»، أنّ خطّة وزير التربية للتعليم الحضوري لم تأخذ بعين الاعتبار وضع المعلمين ورواتبهم المتدنية التي تتراوح بين 100 و150 دولارا، وأضاف أننا لسنا ضد بدء العام الدراسي ولكن ضمن مقومات محددة، مشيرا إلى أنّ أول المقومات هي رواتب الأساتذة، فالراتب لم يعد يكفي، وهذا للأسف لم يطرح في قرار العودة.

جبّاوي أشار إلى أنّ هناك اقتراح قانون سيعطي زيادة بين 25 و40 % للمعلمين، متسائلا إن كانت تؤمن الحد الأدنى المطلوب لمعيشة المعلمين، لافتا الى حالة الذل التي يعيشونها بالوقوف أمام محطات المحروقات، مطالبا بتأمين «بونات» بنزين لهم، وسأل: من أين نأتي بثمن البنزين بعد رفع دعم حيث ستصبح التنكة بـ 350 الف ليرة! ومشدّدا على أنّ لا عودة للمدراس قبل تأمين حقوق المعلمين، وأضاف أنّ المشكلة أكبر في التعليم الإفتراضي بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت وعدم توافر الأجهزة لكثير من الطلاب والأساتذة، أمّا الحل فيبدأ بتصحيح الرواتب بمستوى قيمة القدرة الشرائية الحالية، أو إعطاء غلاء معيشة على أن يؤخذ بعين الإعتبار سعر الصرف اليومي للدولار. وشدد كذلك» أننّا كهيئة تنسيق نقابية أخذنا قرارا لا رجوع عنه اذا لم يتم تصحيح الرواتب بما يضمن حقوق الأساتذة وكرامتهم وعدم اذلالهم على المحطات نحن لن نعود الى المدارس والثانويات والمهنيات».

صرخة القطاع الرسمي ليست أشدّ وطأة من صرخة المهني الذي يئن لسنوات مضت، تارة من الإهمال الرسمي، وطورا من التنمّر المجتمعي على قطاع يصنّف من أهم القطاعات في دول العالم المتقدم. وفي ما يخصّ عودة المهنيين إلى معاهدهم، قال رئيس الاساتذة المتعاقدين في التعليم المهني الاستاذ وليد نمير لـ»الديار» إنّ وزير التربية يعمل بكل جهد وقوة من أجل إبقاء التعليم في لبنان وعدم إنهيار القطاع، إلا أنّ لا شيء واضحا حتى الآن في قطاع التعليم المهني، وأشار إلى أنّ وضع المتعاقدين فيه سيء جدا ويرثى له، كاشفا أنّهم لم يقبضوا كلّ مستحقاتهم عن العام الماضي، ما أدّى إلى إحساسهم بالذل والقهر، مطالبا بها دفعة واحدة، وأن يرفع سقف سحوباتهم بالمصارف، ومضيفا حول تجربة التعليم عن بعد: «علّمنا أون لاين من اللحم الحيّ، دفعنا كهرباء وإشتراك، وكلّ شيء، ولم يتم تأمين أي شيء لنا نهائيا، حتى إجراءات الحماية من كورونا».

وعلى خطّ العودة الحضورية هذا العام، شدّد نمير على تأمين بدل نقل شهري للمعلمين المتعاقدين، ودفع المستحقات بشكل شهري، مطالبا بأن تشملهم البطاقة التمويلية، ومتسائلا:» كيف يسمّونها عودة آمنة إلى المدارس؟» وسأل كذلك، عن مصير الوعود بدعم كلّ تلميذ بمبلغ مليون ليرة، مقترحا دعم أولاد الأستاذة المتعاقدين بمبالغ شهرية، وأن يعمد كلّ من وزير التربية ومجلس النواب والخدمة المدنية إلى تصحيح الأجور ورفع بدل الساعة للمتعاقدين، وأن يتّم تنظيم موضوع تعبئة البنزين للأستاذة للتخفيف عنهم قدر الإمكان، مشددا على ضرورة البتّ في هذه المواضيع قبل العودة إلى المدارس.

هذه المرة قال المعلمون كلمتهم وتوحّدوا ملاكًا ومتعاقدين في الرسمي والخاص والمهني، حول مطلب العودة الآمنة إلى المدراس، والتي لا تتوافر عناصرها حتى اللحظة، أمّا البديل الإفتراضي فدونه معوقات أكثر تعقيدا، متمثّلة بعدم وفرة الكهرباء والإنترنت والعتاد اللوجستي من أجهزة تقليدية وذكية لجميع طلاب لبنان وأساتذتهم، وكلّ هذه المعطيات تطرح علامات استفهام حول مصير العام الدراسي الحالي، على أمل أن تتوضّح الأجوبة الرسميّة في الأيّام المقبلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى