اخبار محلية

سحر البيان الوزاري…

المصدر: ليبانون ديبايت

السحرُ… لطالما فتن الناس على مرّ العصور. تصدّقه في الطفولة وتعيش قصصه الخياليّة وتتأثر بها، ولكن لحظة تصبح في المراهقة، يتحوّل اسمه إلى “خدعةٍ سحريّة”، تطمح إلى تصديقه إلا أن نموّ العقل فيك، يدرك تماماً أن ما تراه عيناك على أنه سحر، إنما هو خدعة بصريّة، وخفّة يقوم بأدائها رجلٌ تمرّس وتدرّب كثيراً عليها.

عندما تدخل سن الرشد يُصبح السحر مجرد مادة ترفيهيّة، بعضٌ منّا يتابعه لمجرّد تحدّي دماغه، بغية معرفة السرّ الكامن وراء الخدعة، أمّا البعض الآخر، فيتابعه لمجرّد أنه يحب تذكّر هذا الشعور بالدهشة، الذي اعتراه لحظة رأى أول خدعة في حياته.

وكذلك في السياسة، السحر هو الديماغوجيا وهي استراتيجية إقناع الآخرين، بالإستناد إلى مخاوفهم وأفكارهم المُسبقة، معتمداً على توقعات الجمهور المُسبقة. لطالما لجأ إلى هذه الاستراتيجيّة الخادعة في السياسة، المفلسون والذين لا يملكون ما يقدمونه للناس.

لماذا الكلام عن الديماغوجيا اليوم؟ لأن الأكثريّة الحاكمة في البلاد، وتحديداً “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، تظنّ أن الشعب ما زال في سن الطفولة السياسيّة وتحاول ممارسة ألاعيب الخفّة السياسيّة عليه، لا أكثر ولا أقل. وهذه الأكثريّة الحاكمة وضعت لمساتها على البيان الوزاري ليصبح أقلّ ما يقال به إنه ديماغوجي، محاولةً إقناع الشعب عبره، بأن هذه الحكومة ستكون غير سابقاتها من تلك التي شكّلتها، وكل ذلك بالإستناد إلى أفكار هذا الشعب ومخاوفه.

فمن جهّة، يتكلّم البيان الوزاري في شقّه السياسيّ عن المقاومة، أي استطراداً سلاح “حزب الله”، وهذا ما تطرب له آذان قسم من الشعب، والجميع يدرك من يقف وراء هذا الأمر في البيان الوزاري. أما في الجهّة الثانيّة، أي الإقتصاديّة، فيتكلّم البيان عن “الكابيتال كونترول” و”معالجة الأوضاع المصرفيّة”، و”تصحيح الرواتب والأجور”، و”تأمين ساعات إضافيّة للتغذية الكهربائيّة عبر استكمال تنفيذ خطة قطاع الكهرباء والإصلاحات المتعلّقة به”، و”حماية جميع اللبنانيين لا سيّما الذين انتفضوا”، و”الحرص على استكمال التحقيقات في جريمة المرفأ” وإلخ… وأيضاً الجميع يدرك من يقف وراء البعض من هذه العناوين.

لقد حاولت الأكثريّة الحاكمة عبر هذا البيان الوزاري، جمع كل هذه العناوين بمشروع واحد، لأن كل عنوان منها تطرب له آذان فئة من الشعب، في محاولةٍ واضحة لكسب رضى الجميع واللعب على مخاوفهم وأفكارهم المسبقة. ولكن يبقى سؤال يطرحه كلُّ من يقرأ ليفهم: كيف ستجمع الحكومة عملياً بين العناوين السياسيّة التي اتّخذتها في بيانها الوزاري والشعارات الإقتصادية الواردة فيه؟

وفي هذا الإطار، هناك تساؤل مشروع وهو: ألم تفكّر الأكثريّة النيابيّة، وتحديداً الحزب و”التيار الوطني”، عندما كانت تجهد واضعةً كل قواها الفكريّة من أجل فرض ما فرضته من عناوين في البيان الوزاري، كيف ستقوم بتأمين المبالغ الماليّة الطارئة المطلوبة من أجل محاولة البدء بتنفيذ كل هذه المشاريع والعناوين في ظل وجود هذا الشق السياسي في البيان؟

فبعد تصريحات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في اليوم الأول لتشكيل الحكومة، عن أنه سيعمل على الإنفتاح على جميع الدول بما فيها الدول العربيّة وخصوصاً الخليجيّة واستئناف المفاوضات مع البنك الدولي، يبدو واضحاً أن الثنائي “الحزب- التيار الوطني”، أتى عبر مبدأ التضامن الوزاري لتسهيل مهمته هذه، عبر اشتراط ما اشترطه هذا الثنائي في البيان. فكيف سيتمّ هذا الإنفتاح في ظل الشقّ السياسي في البيان الوزاري، والجميع مدرك أن سبب انقطاع العلاقات، أو لنقل برودتها، مع الدول الخليجيّة، هو سياسي بالدرجة الأولى وأمني بالدرجة الثانيّة، بحكم أن هذه الدول تعتبر أن هناك حزباً مشاركاً في الحكومة اسمه “حزب الله”، يهدّد أمنها القومي ليل نهار عبر مشاركته العسكريّة في حرب المنطقة وخصوصاً اليمن؟

من جهة أخرى، ألم تدرك اللجنة عند صياغتها هذا البيان، أن كلّ هذه العناوين الإقتصادية لا يمكن تطبيقها بمجرّد الإعتماد على التفاوض مع البنك الدولي؟ باعتبار ان البنك الدولي عازم على التعامل مع أي حكومة لبنانيّة بمبدأ “القطّارة”، أو بصحيح العبارة “لكل إصلاح قدر صغير من المال”، ولن يعيد الكرّة مرّة أخرى بإعطاء الدولة اللبنانيّة سلفاً نقديةً، بناءً على وعود إصلاحيّة على ما كان يتمّ سابقاً، وبهذه الحال لا يمكن إتمام عنوان واحد من هذه العناوين، أو مجرّد البدء بإتمام عنوان واحد في المدّة الزمنيّة المتاحة لهذه الحكومة، أي إلى حين إجراء الإنتخابات النيابيّة المقبلة والتي أكّد رئيس الحكومة إجراءها في موعدها.

وكيف سيتم استئناف الحوار مع البنك الدولي، وهناك من بدأ منذ اليوم يتكلّم عن إعادة إدراج معمل “سلعاتا” في خطة الكهرباء التي يتكلّم البيان الوزاري عن استكمالها، والذي كان للبنك الدولي رأي واضح بالنسبة له في تقريره عن وضع الكهرباء في لبنان؟

لماذا هذا البيان الفضفاض، طالما أن هذه الحكومة إن عمّرت، ستعيش حتى أيار المقبل؟ لماذا هذه التناقضات في الوجهة ما بين الموقف السياسي والطموحات الإقتصاديّة؟

الخلاصة واضحة: عندما يُكثر شخص أمامك الكلام، عليك أن تدرك أنه كلام فارغ لأن خير الكلام ما قل ودلّ، وخير الوعود، هي التي يمكن تنفيذها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى