اقتصاد

كلفة النقل تعزل اللبنانيين عن بعضهم البعض وتسرق أحلامهم

قد لا يتنبه كثيرون إلى أي مدى قام اللبناني بتغيير أسلوب حياته وبوتيرة قياسية، وكم تدنى مستوى معاييره الحياتية كآلية من آليات التأقلم مع الواقع المرير الذي سببته الأزمة الإقتصادية والإنهيار النقدي الذي يمكن وصفة بالخرافي. إذا نظرنا إلى الأمور من زاوية واحدة فقط، زاوية كفيلة بتوصيف رسم بياني يشرح كيف بات المواطن يُغيّر ويلغي ويستبدل أمور لم تكن تخطر يوماً على باله، يمكن أن ندرك فداحة الإنهيار ووقعه على الجميع. وهذا ما يحصل ب”كلفة النقل” وإستعمال المواصلات العامة والخاصة.لم يعان لبنان يوماً من أزمة المحروقات كما عانى هذا العام، فمن إنقطاع وندرة وتهريب، إلى إرتفاع خيالي وزيادة أصفار عدة إلى سعر صفيحة البنزين

وقع المواطن في أزمة لا يمكن تفاديها أو غض النظر عنها أو الاستعاضة ببدائل أخرى لها، خصوصاً وأنه لا يوجد خطة نقل مشترك وقطاع النقل العام منسي منذ الأزل

كيف لا ولبنان البلد الوحيد الذي «كان» لديه «ترامواي»، بينما كافة بلدان العالم «أصبح» لديها «ترامواي» وقطاعات نقل ضخمة بتكلفة تكاد تكون زهيدة جداً على المواطن.

إذاً، وأمام أفق مسدود، وحتمية دفع مبالغ طائلة لقاء كلفة النقل بالتزامن مع عدم تصحيح للأجور وزيادة خجولة جداً لبدلات النقل للموظفين،

ماذا يقول اللبنانيون في مواجهة أزمة النقل وكيف يقضون أمورهم اليومية والحياتية؟

حسن هشام طالب سنة أولى في الجامعة، قرر التخلي عن حلمه بدراسة تصميم الديكور الداخلي في الجامعة اللبنانية،

كون أقرب فرع إليه يتواجد في دير القمر، وهو ما سوف يتكبده مصاريف هائلة مقابل عدم قدرته على العمل وجني المال،

وعدم قدرته على الإنتساب إلى أي جامعة خاصة لإرتفاع تكاليف الدراسة واتكاله الكلي على والده العامل اليومي

في أحد المخابز في منطقة صيدا بأجر زهيد وبدل نقل بالكاد يكفيه هو نفسه.

هشام يعاني اليوم مما وصفه بالإكتئاب لعدم قدرته على السير في حلمه نحو النهاية،

خصوصاً وأنه عاد وتسجّل في تخصص علم الاجتماع الداخلي في الجامعة اللبنانية في صيدا،

وهو أبعد ما يكون عن كل ما رسم وخطط له منذ صغره. يتحدث عن حلمه الضائع،

ويعتبر أن الزمن مر سريعاً جداً عليه في العام الحالي ، وكأنه كبر ثلاثين عاماً مرة واحدة،

فهو بات يدخن السجائر ولا يأخذ أي امر في الحياة على محمل الجد وفق تعبيره.

في سياق متصل وقصة مختلفة، يروي صدام عرابي عن عدم قدرته على إيجاد فرصة عمل مناسبة له

خصوصاً وأنه في كل مرة يقوم بالإتصال بالمعلنين عن التوظيف في مناطق مختلفة، يسألونه عن مكان سكنه،

ويرفضون التوظيف بحجة أن الأولوية لأبناء المنطقة كون أصحاب العمل غير قادرين على دفع أي ليرة إضافية كبدل نقل

لمن يقطنون في مناطق أخرى. عرابي أيضاً يجد نفسه ايضا فاقدا للأمل، خصوصاً وأنه يقطن في منطقة جبلية

تكاد تعدم بها فرص العمل المناسبة بسبب المركزية الإدارية التي ترسخت على مدى سنوات طويلة،

متسببة بحرمان أبناء الأطراف من فرص وخدمات جمة وفق عرابي نفسه.

هاني الجميل يروي كيف أسهمت أزمة إرتفاع كلفة المواصلات في الضغط بشكل كبير وسلبي على حياته الإجتماعية،

فهو يقطن في بيروت وخطيبته تقطن في المتن الشمالي، اقترنوا منذ عامين على أمل أن تسير أمور ارتباطهما بشكل يسير

ويتزوجان عندما يستطيع شراء منزل صغير في العاصمة أو الأطراف كما يقول، كي يستطيع أن يبقى قريباً من مركز عمله.

يعاني هاني من قلق وأرق متلازمين كون علاقته مع خطيبته توترت بشكل كبير في الآونة الأخيرة اثر إرتفاع أسعار المحروقات

وعدم قدرته على زيارة خطيبته بشكل دوري كما كان يفعل في السابق، فهو من جهة غير قادر على تكبد كلفة النقل من بيروت إلى المتن الشمالي بشكل دائم،

ومن جهة أخرى لم يعد باستطاعته إقناع خطيبته بالتحمل للواقع المرير والأفق المسدود الذي لا يبدو أن له حل،

خصوصاً وأن فكرة شراء منزل في ظل الأزمة الحالية غير وارد، كون أسعار العقارات خيالية و

في إرتفاع مطرد مقابل إنعدام القدرة الشرائية للجميل وغيره الكثير من الشباب اللبناني. تتزايد مخاوف هاني يوماً عن يوم،

ويخشى أن يؤدي به الامر إلى الإنفصال عن خطيبته وتدمير حياته الإجتماعية على نحو لا يمكن بعده تصحيح شيء.

إذاً هو البلد الذي يحرم فيه ابناؤه من أبسط حقوقهم بالحلم والحياة والعمل والحب.

يسرق الأحلام كل يوم من تاجر بأموال المواطنين، وعقد الصفقات الداخلية والخارجية، وأدار دفة القيادة على نحو أسوأ ما يكون،

فرسم السياسات المالية دون استراتجيات واضحة وشرّع القوانين الفارغة المضامين والغير معمول بها على الإطلاق بهدف أن يتمتع القليل القليل بثروات الجميع.

ويبقى السؤال اليوم، من يؤمن كلفة النقل في لبنان للمواطنين العاديين؟

وفي حال تم تصحيح الأجور، هل من ضمانات بعدم تدهور سعر الصرف

وإزدياد التضخم أكثر لتفقد أي إضافة قيمتها المادية المفترضة؟

رجاء الخطيب – الديار

للمزيد من الاخبار اضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى