اخبار محلية

بعد غربلةِ الأوفياء من المُخادعين…الحريري عائدٌ!!

قد يبدو الحديث عن عودة الرئيس سعد الحريري الى الانخراط في العمل السياسي في لبنان

أمراً بعيدا عن الواقع حاليا، خصوصاً بعد ابتعاد الرجل عن الانتخابات النيابية،

موحياً بأنه يُنفّذ رغبةَ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن يهجُرَ وعائلته وتياره

نهائياً الحياة السياسية ويتفرّغ للأعمال الخاصة.

لكن الأمرَ واقعي كيف؟

منذ أعلن سعد الحريري اعتكافه، بدأ العمل بوتيرة سريعة ولافتة في الإمارات العربية المُتحدة

وعبرها على تأسيس عدد من الشركات التي يدورُ معظمها في فلك تكنولوجيا الانترنيت

والعملات الرقمية وتكنولوجيات الأدوية وغيرها، وحقّق حتى الآن قفزات واعدة، من المُنتظر أن تسمح له،

في حال استمرت على نجاحها الحالي، بأن يستعيد جزءا مُهما من ثروته التي انهارت والتي كادت تصل الى نحو 4 مليار دولار. (بينها مليارا دولار دفعها لشقيقه بهاء في مقابل إحدى الشركات، وربما نَدِم).

وبموازاة هذا العمل الاقتصادي والمالي الحثيث الذي يُكرّس الحريري له كلَّ وقته تقريبا،

فإن مؤشرات جيدة ظهرت من قبل الرياض، وبينها على سبيل المثال وقفُ بيع أملاك

الحريري في السعودية بالمزاد العلني، وكذلك دفعُ مستحقّات موظفي شركة ” اوجيه” في السعودية قريبا جدا، على ان تُسدَّد مستحقاتُ موظفي الشركة في لُبنان أيضا ربما قبل نهاية العام الحالي. إضافة على عدم تبنّي الرياض حتى الآن أي بديل للحريرية السياسية في بيروت.

هل رضيت السعودية؟

لا توجد أي معلومات مؤكدة عن تغيير جذري في الموقف السياسي السعودي حيال الحريري،

لكن الأكيد أن الإمارات العربية المُتحدة وكذلك مصر، لعبتا دورا مُهما في إعادة تموضع الحريري اقتصاديا، ولا شك ان المساعي، وفق العارفين، لم تتوقف لإعادة ترتيب العلاقة مع الرياض على أسس جديدة والقراءة الدقيقة لأخطاء الماضي في هذه العلاقة. وثمة ما يوحي باحتمال حصول انفراج.

 يبدو ان رجل الظل القوي في الإمارات والفاعل جدا في ملفّات عديدة، أي الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي يرعى ضيفَ بلاده وينصحه ويساهم في إعادة توجيه بوصلته، ولا شيء يستبعد أن يكون هو مِن ناصحيه مثلا بالابتعاد حاليا عن الانتخابات والسياسية لأسباب كثيرة بينها إعادة ترتيب العلاقة لاحقا مع الرياض.

(مع الإشارة الى أن الشيخ طحنون نفسه الناشط والحيوي والذي يشبكُ علاقات استثنائية مع مختلف دول الإقليم والدول الكُبرى، قد لعب دوراً مُهمّاً في إعادة فتح العلاقات الإماراتية السورية وفي ترتيب زيارة الرئيس بشّار الأسد الى أبو ظبي ودبي). وليس مُستبعدا أن تعاد بعض المياه الى مجاريها في فترة غير بعيدة بين الحريري والأمير.

وإذا كان محبّو الحريري وتيّاره، قد استاؤوا وحزنوا كثيرا على ابتعاده بهذه الطريقة،

تماما كما فوجئ معظم اللبنانيين، الاّ أنه بعد مرور فترة على قرار الابتعاد، تتغيّر الصورة الآن، ذلك أن هجمة مَن يُنصّبون أنفسهم ورثةً للحريرية السياسية من داخل البيت الحريري ومن الرعايا السابقين أو من خارجه، قد يُصابون بنكسة انتخابية ما يسمح بتهميشهم لاحقاً، كما أن ما جرى في الأشهر القليلة الماضية، سيسمح لسعد الحريري وتياره بغربلة الأوفياء من المنافقين أو المتملّقين أو المخادعين، وبعدها سيكون لكل حادث حديث. وهنا يقول سفير عربي في بيروت مُمازحا: ” ما ان انكفأت الحريرية السياسية الأصلية قليلا حتى ظهرت حريريات لكن بتصنيع كوري وهي حتماً لن تصمد”. 

ماذا في السياسة الحريرية؟

لا يُريد سعد الحريري في الوقت الراهن الإيحاء بأي خطوة سياسية تشي بأنه يعمل

في الخفاء في السياسة اللبنانية أو الانتخابات، ولذلك على الأرجح فهو لم يُعط بعد كلمة

نهائية لجهة دعم المُرشّح الجنبلاطي في إقليم الخرّوب، لكنه يُراقب عن كثب محاولات

بعد رفاق والده السابقين ورفاقه هو أيضا الإيحاء بأنهم الورثة أو التصرّف كأن الحريرية السياسية

انتهت الى غير رجعة، وسيتم التعامل معهم لاحقا بالقطعة.

أما تيار المُستقبل، فهو يُعد لمؤتمره العام المُقبل ربما في أواخر الصيف

حيث ينشط الرجل الحيوي والقوي فيه أحمد الحريري على أكثر من صعيد محلي وخارجي لترتيب الأجواء،

وسيُطرح في المؤتمر ورقة سياسية بعناوين لا شك مُختلفة جذريا عن الكثير من العناوين السابقة،

كما سيغيّر شكل القيادة وينتخب قيادة جديدة تكون على شكل مجلس قيادة أكثر من مكتب سياسي وغيره.

فرنجية والحريري

إذا كان الوضع المالي للحريري بحاجة الى مرور 3 أو 4 سنوات على الأقل كي

يتحرك الرجل بحرية واسعة في بيئته،

واذا كان يُعدّ منذ الآن لعدد من المُبادرات الإنسانية والتربوية لمساعدة ناسه وبيئته

والمحتاجين خصوصا في مجالي الصحة والتعليم والمنح الدراسية، الاّ أن

وصول لُبنان قريبا الى الاستحقاق الرئاسي، قد يطرح مُعادلات جديدة، خصوصا اذا

ما توافق الوضع الداخلي مع أجواء الحلحلة الحاصة في المنطقة، من الاتفاق النووي،

الى احتمال تطور المفاوضات الإيرانية السعودية، وصولا الى المناخات الجديدة في

الخليج الموسِّعة إطار التحالفات صوب الصين والمُخفِّفة من الدور الأميركي.

في هذه الحال، فإن لا شيء يمنع إعادة طرح اسم الحريري مع انتخاب رئيس جديد للُبنان،

وثمة من ينقل من موسكو معلومات تقول إن الزعيم الشمالي ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية،

أسمع مسؤولين روساً أنه في حال أصبح رئيسا للجمهورية بعدما بدأت الرياح تميل بقوة صوبه، فإنه يرغب

بأن يكون الحريري رئيسا للحكومة.

بالمُختصر فإن ابتعاد الحريري، الذي رُبما كان ينبغي أن يحصل بعد استقالته

من قلب السعودية (وفق العارفين)، سيصبّ حتما في صالحه لاحقا وعلى نحو مُغاير تماما،

لكن هذا سيبقى مشروطاً طبعا بالرأي السعودي طالما أن الأمير محمد هو سيد القرار.

ولا شك ان سياسة لُبنان المُقبلة ستكون مرهونة بتفاهم سعودي-إيراني-فرنسي-أميركي

وربما بشيء من الحضور السوري. وحينها سيكون لكل حادث حديث، فدمشق نفسها

لا تنظر حتما للحريري كنظرتها الى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، كما يقول من يملكون المعلومات الوافرة.

وفي حال تغيّرت العلاقة السعودية مع دمشق،

وهي ستتغير حتماً، فالمُقبلُ في لُبنان والمنطقة

سيختلف تماما عمّا هو قائم، هذا إن لم تقع مؤامرة ضد الأمير محمد بأصابع خارجيةذلك أن جُرأته في التحدي الداخلي والخارجي تخطّت ما كان مُنتظراً.

وبما أن النظام اللُبناني برمّته سيشهد إعادة تشكيل، فلا شك ان السعودية ستكون راعية السُنّة بامتياز.

هل يعود الحريري؟ حتما سيعود لكن بعد حين. ففي لُبنان، لا شيءَ ثابت، ثم إن الرجل ما زال في مُقتبل العُمر والحيوية.

المصدر: موقع لعبة الأمم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى