منوعات

أزمة المأوى … مبادرات تجمع اللاجئين السوريين والمواطنين اللبنانيين تحت سقف المساعدة 

في ظل سياسة لبنانية مبهمة إزاء مسألة النزوح السوري، ومع تدهور الوضع الاقتصادي المستمر، تتفاقم التحدّيات والصعوبات التي يواجهها اللاجئون السوريون والمواطنون اللبنانيون، على حدٍّ سواء.وعلى الرغم من كثرة ما يواجهه هؤلاء، إلّا أنّ هناك معضلات تتصدّر قائمة المعاناة ولعل أبرزها إيجاد المأوى. فالمأوى حيوي للبقاء على قيد الحياة في أوقات الأزمات، وهو أيضاً عنصر أساسي للشعور بالأمان الشخصي والكرامة والاكتفاء الذاتي. في لبنان، يستأجر بعض اللاجئين مساكنهم، ولكن، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، يضطرّون للعيش في مبان غير

مكتلمة ومرائب مصدّعة وحظائر مهجورة، كما في مواقع العمل والورش، وتحت الخيام في المجمّعات العشوائية.

العيش في مكان غير مناسب … للعيش 

أشارت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان إلى أنّ اللاجئين السوريين يواجهون معاناة كبيرة في سبيل العثور على مأوى لائق وآمن.

ولفت التقييم الذي أعدّته المفوضية في أواخر العام الفائت، إلى أنّ حوالي 60 في المئة من

عائلات اللاجئين السوريين يعيش في مساكن معرّضة للخطر أو دون المعايير المطلوبة أو في أماكن مكتظة. كما أظهر

التقييم زيادة في متوسّط بدلات الإيجار لجميع أنواع المساكن وفي جميع المحافظات اللبنانية، فضلاً عن زيادة في احتمالية الإخلاء.

“المعاناة كبيرة. الشتوية جهنّم بالنسبة لإلنا. بس بقول، لو خيمة، الحمد لله أحسن من غيرنا”. بهذه الكلمات التي تحمل

الكثير من الوجع، يختصر علي د. الذي يقطن وزوجته وأولاده الأربعة في مخيّم للاجئين في البقاع، ما يعانيه آلاف

اللاجئين وعائلاتهم. يعمل علي في الزراعة والراتب الذي يتقاضاه لا يكفي لتأمين حاجات أفراد أسرته الأساسية. فهو لم

يتمكّن هذا العام، بسبب الطقس العاصف، من أن يعمل لأكثر من أربعة أشهر، وعند سؤاله حول كيفية تأمين العائلة للقمة عيشها، ردّ قائلاً: “الله ما بيترك حدا”.

يشاركه هذه المعاناة

اللبناني م. ح. الذي لم يعد باستطاعته تحمّل أعباء الإيجار الشهري بعد تدهور سعر صرف الليرة

اللبنانية مقابل الدولار وإصرار صاحب المنزل على دفع الإيجار بالدولار الأميركي. فاضطر م. ح. أن يسكن وزوجته وأولاده

الثلاثة في منزل العائلة مع أمه وأبيه، مؤكداً أنّ “الوضع لم يعد يُحتمل، والمنزل صغير جدّاً ولا يستوعب عائلتين”. كما

شدّد على أنه لم يعد باستطاعته أن يؤمّن لأسرته ثلاث وجبات طعام في اليوم، لذلك يعمل على تأخير وجبة الغداء:

“شو بدنا نعمل؟ الترويقة على الـ ١١ الضهر، والغداء على الـ ٥ بعد الضهر، لنوفّر وجبة أكل. ما قادر طعمي ولادي والله”.

مبادرات تعزّز الاندماج في المجتمع المضيف

يؤكّد اللبناني م. ع. أنه لم يرفع قيمة بدل الإيجار الذي يتقاضاه من العائلة السورية التي تقطن في منزله، مشيراً إلى أنّ

“العائلة المؤلفة من الأب والأم والأطفال الخمسة يسكن معها الجدّ والجدّة وابنهما الأصغر”، وموضحاً أنّ “مجموع ما

تجنيه العائلة مقابل عملها في حقول مجاورة للمنزل لا يتعدّى، حسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء، المئة دولار أميركي، لذلك وافقتُ على تجميد قيمة الإيجار للعام التالي، … فهذه العائلة تستحقّ المساعدة”.

خالد. ز. شاب سوري يقطن مع أصدقائه الذين نزحوا من سوريا سوياً لإكمال تعليمهم، في سكنٍ بالقرب من الجامعة

اللبنانية – مجمع الحدت الجامعي، وصاحب منزل الذي يقطنون فيه رفض، هو أيضاً، أن يرفع بدل الإيجار، وفق ما يروي

خالد. بدوره، يوضح صاحب المنزل هادي شقير أنّ “الأزمة الاقتصادية لا تفرّق بين لبناني وسوري، فالمعاناة مشتركة

خصوصاً عند طلاب الجامعات الذين يصارعون من أجل إكمال تعليمهم. ولعل أبرز مشكلاتهم تكمن بتأمين مأوى”، مؤكّداً

أنّ “علاقة الصداقة التي تجمعه مع الطلاب السوريين في السكن تتخطى حدود العلاقة بين مالك ومستأجر”.

جمعيات تعمل من أجل ظروف أفضل

أشارت الناشطة في منظمة medair  قمر أبو حسن إلى أنّ ” medair منظمة إنسانية دولية سويسرية وتكمن وظيفتها

الأساسية بتحسين مكان سكن اللاجئين السوريين قدر المستطاع”. وأوضحت أنّ “فريق العمل يتّبع تقييماً وفق استبيان

معياري تعتمده المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ووفق هذا الاستبيان يعمل فريق العمل على تقييم وضع الخيم في

مخيّمات اللاجئين لتحديد ما إذا كان من الممكن أن يستفيد قاطنوها من المساعدات أم لا… كما تقوم المنظمة بتوزيع

منشورات عليهم تطلعهم على جميع الخدمات التي يمكنهم الاستفادة منها، بالإضافة لوجود الخط الساخن الذي يمكنهم

التواصل من خلاله مع الناشطين في المنظمة في حال حدوث أي طارئ على مدار الـ ٢٤ ساعة في كل البقاع وخصوصاً في فصل الشتاء”.

ولفتت أبو حسن إلى أنه “بعد كشف الفريق على أوضاع الخيم، يملأ صاحب الخيمة استبيانا وعلى أساس ذلك يتم قبول

تقديم المساعدة”، مشيرةً إلى أنّ “هناك استثناءات بسيطة تحجب عنها المساعدات وهي الخيم الفارغة أو غير

المسكونة أو المغلقة أو خيم الضيافة، أو تلك المكوّنة من أكثر من ٥٠٪ من حيط إسمنتي”. ووأضافتً أنه “بعد عملية

التسجيل التي تختلف من خيمة لأخرى (تمزّق الشوادر، تسريب مياه، احتراق الخيمة أو سقوطها…)، يكون لكل حالة حصّة

معيّنة تقدّم بناءً على المعايير التي وضعتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وبعد عملية التسجيل، تأتي عملية

التوزيع بعد أربعة أسابيع وذلك من خلال إرسال رسائل خطية للعائلات التي ستستفيد من الخدمات، ليقوم بعدها فريق

موكل من المنظمة بتقييم حسن سير العمل”.

وتحدّثت الناشطة عن مشروع ثان تقوم به المنظمة والمُسمّى “تحسين الموقع”، يستهدف كل مخيّم مؤلّف من أكثر من

خمس عشرة خيمة، إذ تقوم medair بفرش أرض المخيّم بالبحص، وذلك لتحسين التنقل خصوصاً أيام الشتاء، فيما

مشروع “الإطفائيات” يقضي بتوزيع إطفائيات بمعدّل قنينة إطفاء لكل أربع خيم، وإقامة دورة تدريبية للاجئين لمعرفة

كيفية استخدام هذه الإطفائيات.

وهناك مشروع آخر مخصّص لذوي الاحتياجات الخاصة

يتمثل بتوفير “مسكات” تسهّل عليهم التنقل داخل الخيمة،

بالإضافة لإنشاء رصيف بين الخيمة والمرحاض لحسن تنقلهم، أو بتأمين كرسي متنقّل أو عكازات أو بإنشاء مرحاض

متنقّل. كما تقدّم المنظمة حماية للخيمة من الخارج لكي تقيها من أي حريق محتمل قد تتعرّض له خيمة ملاصقة أو

مجاورة.

كما أشارت أبو حسن إلى مشروع سابق استفاد منه اللاجئون الذين يسكنون في بيوت، إذ أمّن لهم إصلاح مكان السكن

وإعادة تأهليه.

“فريق ملهم” لتعزيز المأوى الآمن

وفي إطار توفير الإقامة والأمان للاجئين السوريين، ولتعزيز قدرة المجتمعات المحلية على استضافتهم، لفت مدير

مكتب البقاع في “فريق ملهم” أحمد السماوي إلى أنّ “الفريق يدفع إيجار بناء بمنطقة برّ الياس منذ خمس سنوات،

تقطن فيه أربعٌ وعشرون عائلة”، مؤكداً أنّ الفريق الذي بدأ عمله الإنساني في العام 2012 بمبادرة من مجموعة شباب

في الأردن، “يعمل على إعداد دراسة لتقديم مساعدات لعائلات لبنانية بحاجة لمأوى”.

وأشار اللاجئ محمد. ق. إلى أنه، بعد سنوات من العيش في خيم غمرتها السيول خلال موسم الشتاء، انتقل مع عائلته

للإقامة في مبنى في منطقة البقاع اللبنانية، وفق برنامج إيجار مجاني لمدة خمس سنوات. وكان المبنى لا يزال قيد

الإنشاء في العام 2018 عندما قام بتسجيل اسمه لدى “فريق ملهم” لينتقل بعدها للسكن في المبنى: “هلأ صرت حسّ

حالي عايش أنا وولادي متل البشر”.

مبادرات لتخفيف وطأة المعاناة

في سياقٍ متصل، أوضح مدير جمعيّة maps في لبنان فادي الحلبي أنّ “الجمعيّة تقدّم برامج إغاثية للعائلات

المستضعفة السورية في لبنان، أي التي تعاني من مشاكل صحية أو فقدان معيل كالأيتام والأرامل، بتأمين مأوى لائق

لها”، مشيراً إلى أنّ ” maps هي جمعية محلية يديرها اللاجئون أنفسهم، مرخّصة في لبنان وتعمل على تحقيق بعض

القيم المجتمعية بما أنّ الخدمات الإنسانية، في الأزمات طويلة الأمد، إن لم توضع بإطار مجتمعي وتوظف بطريقة

صحيحة، قد تعوِّد الناس على الاعتماد على المساعدات وتعلّمهم ثقافة السؤال بغض النظر عن وجود حاجة تستحق

المساعدة”.

وفي إطار تأمين المساعدات المتمثلة بمأوى آمن للاجئين، أكّد الحلبي أنّه “توجد إحدى وعشرون شقة تقدّمها الجمعيّة

للأرامل في البقاع لإنقاذهن من مشكلة السكن غير اللائق سواء في المخيّمات أو في أماكن غير آمنة للسكن كمرائب

السيارات. وقد استأجرت الجمعيّة هذه الشقق لمدة ثلاث أو خمس سنوات”. كما تؤمّن   mapsللعديد من العائلات

المحتاجة بدلاً مادياً لاستئجار منزل، وتخطّط لتوسيع هامش المساعدات لتغطّي تكاليف السكن لعدد أكبر من العائلات النازحة.

أمّا تحدّيات تأمين السكن فعديدة

ومنها إيجاد مبان صالحة للسكن وموافقة صاحب المبنى بإبرام عقد طويل الأمد، بالإضافة لقبول العائلة الخروج من

المخيم: “هناك العديد من العائلات التي ترفض الخروج من واقع سيئ سلبي متمثل بالمخيّم حتى لو كان المأوى الذي

يؤمّن لها مجانياً ظناً منها أنّ المساعدات الغذائية والإغاثية التي تقدّم لها ستحجب في حال خروجها من المخيّم” وفق

توضيح الحلبي. كما يتحدّث الحلبي عن “سبب آخر متمثل بعدم شعور هؤلاء بحجم المصيبة التي تواجه أطفالهم في

السكن بالخيمة، فلم يعد لديهم الرغبة أو الشعور بضرورة تحسين سبل العيش، أقلّه المتمثلة بمأوى آمن، لأنهم اعتادوا

على هذا النمط من طريقة السكن والعيش”.

مبادرة أخرى خففت من وطأة الأزمة

وأمّنت منزلاً لحسن. ح. الذي شدّد على أنه بعد شتاء قارس كان بمثابة الجحيم بالنسبة له ولعائلته، استطاع بفضل

مساعدة قدّمتها له “مؤسسة نماء”، وهي عبارة عن مبلغ خمسين دولاراً شهرياً، بأن ينتقل من المخيّم إلى منزل صغير.

ويضيف بغصّة: “الحمد لله هذا الشتاء لن أرى أولادي يرتجفون من البرد وليس باستطاعتي أن أفعل شيئاً لهم”. ويروي

حسن، الذي يعمل في الزراعة، كيف يقوم بصرف المبلغ الذي يحصل عليه من الجمعيّة حسب سعر صرف الدولار،

ويدفعه لإيجار المنزل المكوّن من غرفتين، في منطقة برّ الياس.

وبات اللبنانيون اليوم

يشاركون اللاجئين السوريين الهاربين من ويلات بلدهم بحثاً عن ملاذ آمن، حالَهم،

فيعانون سوياً من صعوبة الوضع الاقتصادي ومعضلة تأمين مأوى لائق، خصوصاً بعد فقدان العملة الوطنية قيمتها. فأصبحت بعض المبادرات

المخصّصة لتأمين المأوى تقدّم المساعدة للبنانيين كما للنازحين السوريين، فتنحسر تداعيات اللجوء هرباً من الحرب في

سوريا ومخاطر الأزمة السياسية والاقتصادية المتفاقمة في لبنان.

نضع بين أيديكم أرقام الجمعيّات التي ذكرناها في مقالنا لمن يودّ الاستفادة من الخدمات التي تقدّمها:

منظمة “سوا للإغاثة والتنمية”: 01/370179

جمعيّة “maps”: 76/002549

“فريق ملهم”: 71/113792

منظمة medair: 79/109863

مؤسسة “نماء”: 01/616751

للمزيد من الأخبار اضغط هنا

المصدر:كتابة ريان عبد النبي


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى