اخبار محلية

الكتاب المدرسي “بالفريش”.. والأهالي عاجزون

كتبت بلقيس عبد الرضا في “المدن”:

وجوه شاحبة وغاضبة في آن معًا، هو التعبير الأدق لوصف حالة أهالي التلامذة هذا العام مع اقتراب بدء العام  الدراسي. فقد تفاجأ عدد من الأهالي بالتسعيرة الجديدة للكتب المدرسية، خصوصًا المستوردة من الخارج، أو ذات الطبعات الأجنبية، لأنها كسائر البضائع المستوردة تباع بـ”الدولار الفريش”. وهذا ما يعني أن أكثر من 70 في المئة من الأهالي يعانون لتأمين الكتب الدراسية هذا العام.


تتساءل ربى حمد (ربة منزل)، كيف يمكن للأشخاص الذين لا تتخطى قيمة رواتبهم ثلاثة ملايين أو حتى 5 ملايين ليرة أن يتمكنوا من شراء الكتب الجديدة، لاسيما الأجنبية؟ فهذه لا تخضع لآلية محددة في تسعيرها. فيبلغ متوسط سعر الكتاب للمرحلة الابتدائية ما لايقل عن 10 إلى 20 يورو، أو 20 دولارًا تقريبًا، أي نحو 617 ألف ليرة. ويصل سعر بعض الكتب إلى 60 يورو، أي نحو مليون و900 ألف ليرة، للمراحل المتوسطة والثانوية. أما اسعار كتب الرياضيات فتبدأ من 10 يورو للمرحلة الابتدائية، وكلما ترفّع التلميذ في صفه يرتفع سعر الكتاب إلى 90 يورو، أي ما يقارب مليونين و900 ألف ليرة. وتنطبق هذه الحال على كتب العلوم، كالكيمياء والفيزياء. وبمتوسط عام، فإن لائحة كتب الصفوف الابتدائية للمرحلة الأولى قد تبدأ من ثلاثة ملايين، وتصل إلى نحو 4 ملايين ليرة تقريبًا. وهذه قيمة مرتفعة جدًا، حتى لأشخاص يتقاضون جزءًا من رواتبهم بالدولار.

مافيا الكتب
أصبح للكتاب أيضًا مافياه. تلخص هذه العبارة الوضع العام في المكتبات الكبرى، أو دور النشر التي تستورد الكتب من الخارج. في إحدى مكتبات بيروت، توجه علي الخطيب لشراء كتب طفله في الصف الثاني ابتدائي، ويقول: “لائحة الكتب غير متوفرة إلا في مكتبة واحدة. والتسعير بالفريش دولار. والذي ليس لديه الدولارات لا يمكنه تسديد القيمة بالليرة اللبنانية. ثم أن السعر غير ثابت”. وأبلغه الموظف أن السعر قد يتبدل بين لحظة وأخرى. ولا يمكن تحديده إلا عند الدفع. فيمكن شراء الكتاب في الصباح بسعر معين، وبعد الظهر يختلف السعر تمامًا. وهامش تغيير الأسعار كبير. ويمكن أن يتحرك أيضًا بين ساعة وأخرى.

بيزنس المكتبات والمدارس
الوضع داخل المدارس الخاصة ليس بالأفضل. بدأ بعضها ممارسة تجارة الكتب من خلال حصرها في مكتبة معينة، وإلزام الأهل بها، أو من خلال بيع المدرسة الكتب مباشرة للأهل. لكن السعر في كلا الحالتين نفسه، إما بالعملة الأجنبية، أو ما يوازيها بالليرة اللبنانية وحسب سعر الصرف اليومي.

تفرض المدارس الخاصة تسعيرتها بالعملة الأجنبية، من منطلق أنها ليست سوى وسيط بين الأهل ودور النشر أو المكتبات. وهي تسعى إلى تسهيل عملية البيع في المدرسة، بدلًا من زيارة المكتبة أو دار النشر. ورغم ذلك هناك فرق في الأسعار بين الكتب التي تباع في المدرسة وتلك التي تباع في المكتبات، حسب ما أكدته ربى حمد لـ”المدن”، وهي أم طفلتين.

وهي تقول: “تفاجأت بفارق في سعر الكتب بين المدرسة والمكتبات، وإن بدا الفارق بسيطًا لا يتخطى الدولار أو الدولارين. لكن لدى عند سؤالها إدارة المدرسة، كان الجواب، أن سعر نقل الكتب من المستودعات إلى حرم المؤسسة التعليمية، مرتفع، بسبب ارتفاع سعر البنزين”.

أسباب ارتفاع الأسعار
بعيدًا عن سجال فارق الأسعار بين دور النشر والمدارس، فإن السؤال الجوهري يتعلق بسبب رفع الأسعار هذا العام. يقول إبراهيم عاصي أحد مسؤولي دور النشر في لبنان لـ”المدن”: “هذا العام ارتفعت الأسعار من المصدر الأجنبي. والسبب في ذلك الأوضاع الجيوسياسية، وارتفاع أسعار المواد الأولية لطباعة الكتب: ارتفع سعر الورق بأكثر من 200 في المئة، كما ارتفعت تكاليف الشحن”. ويذكر أن للحرب الروسية -الأوكرانية تأثيراتها: تكاليف التأمين على الشحن زادت للكتب المستوردة من أوروبا.

من جهة أخرى، ينفي عاصي أن يكون هناك أي نوع من الاحتكار في تجارة الكتب، بل يؤكد بأن دور النشر التزمت بسعر الصرف الرسمي، أو بسعر المنصة في العامين السابقين. وهناك بعض المؤسسات التربوية والمكتبات كانت تحتفظ بمخزون فائض من الكتب من العام 2019، وبالتالي لم ترفع أسعارها، بل ساعدت في تقاسم الأعباء مع أهالي الطلاب.

أسئلة للمعنيين
إن كانت أسعار الكتب المستوردة تتأثر بالأوضاع الجيوسياسية، فماذا عن الكتب اللبنانية، وكيف تسعر؟ يوجد في السوق اللبناني نوعان من الكتب. الأول  خاص بالمنهج الحكومي، أي يستخدمه تلامذة المدارس الرسمية، والثاني يعرف باسم الكتب اللبنانية المخصصة للتعليم الخاص، أي للمدارس التي لا تعتمد الكتب الأجنبية. وهذان الصنفان حتى الآن لم يسعرهما المعنيون، سواء في وزارة التربية أو الاقتصاد، كما لم تسعر الكتب المستعملة.

يرفض أصحاب المكتبات بيع الكتب المستعملة أو الكتب الرسمية، بحجة أنهم ينتظرون تسعيرة وزارة التربية، لمعرفة الآلية التي على أساسها يبيعون. فهل تحتسب الكتب على سعر الصرف في السوق السوداء، أو على سعر جديد قد يتفق عليه المعنون؟ أم على سعر 12 ألف ليرة للدولار؟

تضامن اجتماعي
خلق هذا الوضع الخاص بتجارة الكتب، نوعًا من التضامن بين الأهل، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هناك عشرات الصفحات التي تتأسس يوميًا، حتى يتمكن أهالي الطلاب من التواصل لشراء الكتب المستعملة، أو تبادلها فيما بينهم، بهدف تخفيف وطأة الأزمة. وهذا ما تؤكده ربى حمد، مشيرة إلى وجود مبادرات من قبل بعض المغتربين لمساندة الجمعيات التي تقدم الكتب المستعملة بالمجان للأهل، مقابل ردها نهاية العام الدراسي. قد تكون هذه المبادرة جديرة بالملاحظة، في بلد يعيش على وقع أزمة اقتصادية طويلة الأجل، لكن ذلك لا ينفي أن للكتب المدرسية، تجارها، ومحتكريها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى