اخبار محلية

مناورات الفراغ ونصيحة برّي لميقاتي

يحتفظ الفرقاء جميعاً بقدرتهم على المناورة حتى تحين لحظة الحسم غير الواضحة حتى الآن إن لناحية التوقيت أو لجهة اختيار اسم ونوعية رئيس الجمهورية الجديد، بما يؤكد أن الفراغ الرئاسي آتٍ في انتظار انقشاع الغيوم الملبّدة التي تظلّل نهاية عهد الرئيس ميشال عون منتصف ليل 30 تشرين الأول المقبل.

الفرقاء بمعظمهم ينتظرون هذا التاريخ بفارغ الصبر، مراهنين على انتهاء حقبة سياسية من تاريخ لبنان، يعتقدون أنّها قادته إلى جهنم، بخياراتها المحلية والإقليمية، ونهشت في جسده تشوّهات وستترك ندوباً يعلم الله كيفية معالجتها. إلّا أنّ ما يعتبره بعض معارضي الرئيس عون وفريقه، الذي تحكّم بالسلطة خلال السنوات الست الماضية، خلاصاً للبلد بنهاية العهد، لن يكون كذلك في ظل شبح الفراغ الرئاسي الذي يتكرّس الاتجاه نحوه كل يوم أكثر. والمعضلة قد لا تكمن في احتمال بقاء عون في القصر الرئاسي إذا تعذّر انتخابه، بل في قدرة الفرقاء اللبنانيين على التوافق على رئيس وعلى عدم تعطيل جلسة الإنتخاب حين يدعو إليها بري للحؤول دون انتخاب من لا يقبل به القادرون على تعطيل نصاب تلك الجلسة. فالتلويح بالبقاء في بعبدا ورقة محروقة سلفاً، مثلما هي محروقة منذ زمن ورقة السعي لولاية رئاسية جديدة تكون امتداداً لولاية عون بتوريث المنصب المسيحي الأول لجبران باسيل. وهما يدركان ذلك أكثر من معارضيهما.

بالنسبة إلى الرئيس عون، فضلاً عن أنه يعلم أن بقاءه في القصر قد يُخضعه لعقوبات غربية تحت عنوان تعطيله الانتقال السياسي والديموقراطية في السلطة، هو بات «قرفان» من الاستمرار في المنصب عنوة. ويقول بعض العارفين إن الرجل تعب من خوض المعارك من موقع الرئاسة ولم يعد متحمّساً بسبب تقدم العمر للعراك السياسي. أما باسيل، وعلى رغم أنه أبلغ مقربين منه قبل شهرين بأنه لا يرى حظوظاً له في أن يكون مرشحاً جدياً لخلافه مع كافة الفرقاء، فإنه عاد يلوّح أمام بعض مريديه بأن حظوظه غير معدومة. ويقول هؤلاء إن المراهنة على حصول اتفاق أميركي- إيراني لعلّه يسمح بإحياء تلك الحظوظ، خصوصاً إذا بدا أن خصوم «حزب الله» يتّجهون إلى خيار يدفع الحزب إلى تفضيله. لكن هذا النوع من الأحلام يصطدم بأن الحزب غير قادر على إقناع أيّ من حلفائه باعتماد ترشيح الصهر.

مناورات الفريق الرئاسي التي تبدو هالكة، هي التي تفرز مواقف مزدوجة ومتناقضة: يلوّح هذا الفريق في التسريبات بعدم تسليم الرئاسة لحكومة تصريف الأعمال، أو بسحب التكليف من الرئيس نجيب ميقاتي فتقوم الضجة ضده، فيصدر بياناً كالذي صدر أول من أمس يعتبر فيه ما يُنسب إليه من «خطوات وإجراءات ادّعاءً في قراءة النوايا، وضرباً في الغيب، واختلاقاً وافتراءً». أما باسيل فيفاوض عبر «حزب الله» مرشح الأخير، سليمان فرنجية على ضمانة مكتوبة بحصّته في الحكومات والمناصب العليا في العهد المقبل، إذا انتُخِب رئيس «المردة» للرئاسة. وإذا رفض الأخير يعلن رفضه ترشيحه، ويحيي مع بعض محيطه فكرة ترشحه المقطوع الأمل منه، لعلّه بذلك يلغي ترشيحه ويصرّ على معيار الرئيس الذي يرتكز إلى شعبية أو إلى تأييد كتلة مسيحية نيابية وازنة ككتلة «التيار الوطني الحر»، ويأمل من تقاطعه مع خصمه الآخر سمير جعجع، في رفض فرنجية إما الحصول على ما يريد، أو سحب «الميثاقية» المسيحية من الزعيم الشمالي لإبعاده.

هذا النوع من المناورات مضيعة للوقت، فيما الأمور تسلك منحى أقرب إلى ترتيب الفراغ الرئاسي. وما يجري حالياً هو سعي كل فريق إلى تحميل الآخر مسؤولية الفراغ، بعد 30 تشرين الأول، لا سيما بعد قول رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد حول اختيار الرئيس الذي عليه توقيع اتفاقات مع الخارج، إن «الخيارات «بدك تفلّيها» حتى نعيش من دون قلق وخوف على المصير ومن دون إحساس بأنك غُبِنت في مرحلة من المراحل»، ما يعني أن الأمر سيأخذ وقتاً قياساً على التطوّرات الإقليمية. فالحزب يقيم وزناً لما يجري على صعيد مفاوضات فيينا وما سيليها إقليمياً، ولما يحيط بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. لنجاح هذه أو تلك، أو فشلهما خيار يتناغم معه في الرئاسة اللبنانية.

تقتضي المناورات تأجيل انتخاب الرئيس حتى ضمن المهلة الدستورية التي تبدأ في الأول من أيلول، على الأقل حتى 20 تشرين الأول، لأن الأولوية حين يصبح البرلمان ملزماً دستورياً بالاجتماع هي حكماً لاختيار الرئيس. وهي تقتضي أيضاً أن يأخذ الرئيس نجيب ميقاتي بنصيحة الرئيس نبيه برّي ألا يتم تشكيل حكومة ثلاثينية في إطار جهود معالجة الخلافات حول إنجاز الحكومة، حتى لا يبدو كأن إضافة 6 وزراء دولة (كما يطلب عون وباسيل) إلى الحكومة الحالية، بأنه موافقة من رئيسي الحكومة والبرلمان على تعطيل الرئاسة بتعيين وزراء سياسيين يتولّون إدارة الفراغ الرئاسي.

الأرجح أن نشهد المزيد من المناورات حول الرئاسة والحكومة على مدى شهر و20 يوماً، هي فسحة الوقت لترقب الإقليم. لكنّ انقضاءها لا يعني إيجاد المخارج، لتجنب الفراغ.

وليد شقير- نداء الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى