اخبار محلية

“فضيحة إسرائيليّة” تنكشِف في لبنان.. ما علاقة أوكرانيا؟

من تابعَ تفاصيل القصف الروسي الذي شهدته العاصمة الأوكرانيّة كييف، أمس الإثنين، سيستنتجُ أمراً واحداً لا لُبس فيه وهو أنّ أمَدَ الحرب الأوكرانية سيطول، وُحكماً حتى مرحلةٍ ليست بقريبة.

بشكل عام، فإنّ ما استجدَّ يوم أمس كان كفيلاً لتحريك “الإستنفار” الدّولي الذي ارتبط بشقّين لا ثالث لهما: الأول وهو إدانة ما جرى في أوكرانيا “كلامياً”، والثاني التأكيد على أن الدّعم العسكري لكييف سيتواصل. أما واقعياً، فإنّ مُجمل الأجواء الدولية “المستنكرة” تترافقُ مع إصرارٍ كبير على تكثيف العقوبات ضدّ روسيا، وهذا ما قد يزيدُ من حدّة الأزمة وعمقها وسيجعلها تمتدّ حتى وقتٍ غير معروف.

وارتباطاً بكل المشهديّات التي طرأت مؤخراً، فإن خيارات الحسم العسكري باتت طاغية بقوّة وستفرض نفسها في الميدان. أما بالنسبة للأوروبيين، فإن ما يجري بين روسيا وأوكرانيا يُحتّم تحركاً على مختلف الأصعدة، لكن هذا الأمر سيُقابلُ بردّ روسي أيضاً، والسلاح الأكبر هنا سيكون عبر الغاز مُجدداً.

كيف سيؤثر كل ذلك على لبنان؟

من دون أيّ مُنازع، فإنّ ما جرى يوم أمس في كييف وما سيشهده مسار الحرب الأوكرانية – الروسية بشكل عام خلال الأيام المقبلة، سينعكسُ بشكل أكبر على مجالٍ آخر يرتبطُ بملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. ففي ظلّ التصعيد القائم بين أوكرانيا وروسيا، فإنّ أوروبا تتوقعُ تماماً أن الخناق سيزداد عليها عبر الغاز خصوصاً في فترة الشتاء. ولتداركِ هذا الأمر ولإبعاد القارّة عن مهالك قطاع الغاز، سيكون هناك تكثيفٌ كبير للضغط باتجاهِ إتمام إتفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل في أقربِ وقتٍ ممكن، وذلك لضمان الغاز الإسرائيلي الذي يجب أن يتدفق إلى أوروبا قبل نهاية العام الجاري، وإلا فإن الأوضاع ستكون صعبة للغاية لاسيما مع تصاعد التناحر الكبير بين موسكو ودول الإتحاد الأوروبي وتحديداً بعد قصف كييف، أمس.

إشارات.. وضغطٌ على الإسرائيليين

وخلال منتصف ليل الإثنين – الثلاثاء، تسلّم لبنان المقترح الأميركي المُعدّل لاتفاق الترسيم، بعد سلسلة من عمليات البحث والتنقيح التي حصلت لبعض المصطلحات القانونية واللغوية، وأسفرت عن صيغة جديدة قد تُبصر النور قريباً في حال وافق عليها لبنان الرّسمي. مع هذا، كان لافتاً تصريحُ متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، أمس، حينما أكّد أنّ “الوسيط الأميركي في ملف الترسيم آموس هوكشتاين، على اتصالٍ مع كافة الأطراف”، ويضيف: “ملتزمون بالتوصل إلى حل ونعتقد أن اتفاقاً مستديماً أمر ممكن وبمتناول اليد”.

هنا، قد يكونُ هذا التصريحُ بمثابة إحدى الإشارات التي تُنبئ بالوصول إلى اتفاق قريب فعلاً طالما أن الظروف المرتبطة بالحرب الأوكرانية – الروسية تتجهُ نحو الأسوأ. وحتماً، فإن الاتفاق اليوم بات مصلحة أوروبية – أميركية بالدرجة الأولى، وقد يكونُ الاستنفار الروسي العسكري في أوكرانيا قد شكل دفعاً كبيراً نحو تذليل العقبات التي اعترضت طريق ملف الترسيم.

ووسط ذلك، فقد رجّحت مصادر سياسية مواكبة أيضاً أن يُبادر الطرف الأميركي للضغط بشكلٍ أكبر على الجهات السياسية الإسرائيلية بغية “تقليل حدّة المواقف” في ظلّ الأزمة العاصفة بأوروبا وتحديداً بعد التصعيد الروسي الأخير ضد كييف، في حين أنه قد يكون هناك تدخلٌ كبير مع القيادات الإسرائيلية لتمرير صيغة الاتفاق التي تسلمها لبنان مؤخراً من دون أي جولة بحثٍ جديدة، وبالتالي عدم إفشال سياقِه أبداً حتى وإن تغيرت الحكومة في تل أبيب بعد انتخابات الكنيست المُرتقبة في شهر تشرين الثاني المقبل.

تخبّط وفضيحة

بشكلٍ أو بآخر، فإنّ أجواء التخبّط التي تعيشها تل أبيب في ظل ملف الترسيم وبسبب الضغط الأوروبي والأميركي المرتبط بالحرب الأوكرانية، دفعت بالمنافذ الإعلامية العديدة هناك لتبني أخبارٍ يكمن الهدف منها في إشاعة أجواء تفاؤلية بشكلٍ مُفرط، علماً أن الإيجابية قائمة ولكن بشكلٍ “حذِر”. ولهذا، كان واضحاً إصرار تقارير عديدة على تأكيد أن هناك تقدماً كبيراً في المفاوضات وأن الاتفاق سيكون خلال أيام، مع تبني جُملة أن “الاتفاق سيكون يوم 20 تشرين الأول المقبل”.

في الواقع، فإنّ الأمور تجري على “قدم وساق”، ورغم أنّ مسودة الإتفاق سُلّمت إلى لبنان إلى أنه “ما من شيء محسوم” حتى الآن إلى حين صدور إعلان رسمي لبناني بشأن ذلك وبشكل واضح. أما في ما خصّ الكلام عن تحديد موعد الإتفاق يوم 20 تشرين الأول، فهو ليس دقيقاً وصحيحاً ولبنان لم يتبلغ بهذا الأمر حتى الآن كما أنه لم يحسم التاريخ بشكل حرفي ولم يتحدث “رسمياً” عن ذلك بعد، بحسب ما كشفت مصادر في رئاسة الجمهورية لـ”لبنان24″، أمس الإثنين، وتحديداً قبيل تسلّم لبنان المسودة التي باتت اعتباراً من اليوم الثلاثاء، في عهدة المعنيين في لبنان.

في مقابل ذلك، فإن ما يُمكن استنتاجهُ هو أنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية تسعى للتعلّق بـ”طافية نجاة” للتخفيف من وطأة الضغط “غير الدقيق” الذي مُورس على الجمهور الإسرائيلي مؤخراً عبر إشاعةِ أجواء تزعم أنّ المواجهة العسكرية مع “حزب الله” ستندلع في أيّ لحظة. هُنا، تكمن “الفضيحة الكبرى” لدى الإسرائيليين، إذ أنّ مسار الخطاب كشف عن تناقض في المواقف والأجواء القائمة، وهذا أمرٌ بينته تقارير مختلفة نقلاً عن معلومات استخباراتية، لتشيرُ إلى أن احتمالية التصعيد مع لبنان ضئيلة، ما يعني نسفاً لكل “الإحباط” ولكلّ التهديد الكلامي الذي لا يعدو كونه “هوبرة انتخابية” لا أكثر ولا أقل.

ما يُمكن كشفه أيضاً هو أن كل ما تعتمده وسائل الإعلام الإسرائيلية من أجواءٍ إنّما يصبّ في خانة تصوير أن تل أبيب حققت تقدماً لصالحها في الملف، وآخر فصول هذا الأمر هو ما زعمته صحيفة “معاريف”، ليل أمس الإثنين، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن “لبنان تراجع عن التعديلات الجوهرية التي رفضتها إسرائيل في اتفاقية الترسيم”. وفي هذا السياق، أتى تصريح رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا، اليوم الثلاثاء، لإعلان أن “تل أبيب راضية عن المسودة النهائية لاتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية مع لبنان”، وأضاف: “جميع مطالبنا تمت تلبيتها، والتغييرات التي طلبناها تم تعديلها. حافظنا على مصالح إسرائيل الأمنية ونحن في طريقنا إلى اتفاق تاريخي”.

إلا أنه في الحقيقة، فإن المزاعم التي يشيعها الإسرائيليون تتعارض تماماً مع الواقع، إذ أن لبنان لم يُناقش بعد ومجدداً الطرح الأميركي المُعدل لاتفاق الترسيم والذي تسلمه ليل الإثنين – الثلاثاء، كما أن الحسم في هذا الأمر لا يحصلُ بين لحظة وضحاها من دون نقاش داخلي لبناني.. وهنا، فإن عامل القوّة المرتبط بالموقف الموحّد سيفرض نفسه بمعزلٍ عمّا يريده العدو الإسرائيلي، لأنّ الحقوق الوطنية ستبقى في طليعة الأمور وأساسها.

المصدر: خاص “لبنان 24”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى