اخبار محلية

بري يلغي “مبادرته الحوارية”.. هل من “بدائل” مطروحة؟!

حين بدأ استمزاج آراء الكتل البرلمانية والنواب المستقلين بشأن إمكانية الدعوة لحوار، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري إنّه لا يستطيع أن “يتفرّج” على الواقع القائم، في ظلّ الانقسام السياسي العمودي والتعثّر المستمرّ على خط انتخاب رئيس للجمهورية، من دون أن يبادر في مكان ما، لكنّه “اصطدم” بمواقف بعض القوى السياسية، التي قد يكون بعضها مشروعًا، وبعضها غير مفهوم، على غرار سحب “أهلية” بري للدعوة لحوار بالمُطلَق.

في بيان “الاعتذار” عن عدم المضيّ في “مبادرته الحوارية”، سمّى رئيس البرلمان بالاسم كتلتي “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، باعتبار أنّهما تتحمّلان مسؤولية “تطيير” المسعى الذي كان يقوم به، نتيجة الاعتراض والتحفظ، وهو ما كان قد انعكس في تصريحات قادة الحزبين، بين من اعتبر أنّ الدعوة للحوار من صلاحيات رئيس الجمهورية حصرًا، ومن رأى أنّ الحوار تأخّر، والمطلوب الآن انتخاب رئيس، وفقًا للآليات الديمقراطية المنصوص عليها.

وإذا كان لـ”التيار” و”القوات” وجهة نظرهما، التي تحتمل الصواب كما الخطأ، لكنّ ضياع فرصة الحوار، في ظلّ الأجواء المتشنّجة التي تشهدها البلاد، وثبات جلسات انتخاب الرئيس على عدم تحقيق أيّ تقدّم، بعيدًا عن الاستعراض المسرحي، من شأنه أن يطرح الكثير من علامات الاستفهام، لعلّ أهمها: ماذا بعد “تطيير” الحوار بالشكل الذي حصل؟ هل من بدائل مطروحة لاحتواء الأزمة؟ وما هي هذه البدائل؟

“مع الحوار وضدّه”

يعتبر كثيرون، خصوصًا من الدائرة القريبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، والمؤيدين لمبادرته الحوارية بوصفها ضرورية في الوضع الحاليّ، أنّ “الأستاذ أحرج في اعتذاره”، من تسبّبوا في قطع الطريق على الحوار، وتحديدًا “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، إلا أنّ هذه القوى تبدو “ثابتة” على موقفها، ويذهب المحسوبون عليها لحدّ اعتبار الحوار الجماعي “بلا جدوى” في الظروف الحاليّة، وفي ظلّ الاستقطاب القائم على أكثر من صعيد.

فبالنسبة إلى “القوات اللبنانية” مثلاً، لا يبدو الحوار بالشكل الذي يريده بري سوى محاولة لـ”تضييع الوقت”، بانتظار نضوج ظروف “تسوية” يسعى إليها معسكر “حزب الله” وحلفائه، منعًا لتعرّض هذا الفريق للمزيد من الضغط عبر تحميله مسؤولية “تكريس الفراغ”، وبالتالي تبعاته التي قد تكون “كارثية”، ولذلك فإنّ الحوار برأي “القوات” كان يجب أن ينطلق قبل أشهر من الاستحقاق، وليس بعد وقوع “المحظور”، أي الفراغ الرئاسي.

وفيما تستند “القوات” إلى موقف للبطريرك الماروني بشارة الراعي تقول إنّه “يتقاطع” معها، حين اعتبر أنّ الوقت هو وقت انتخاب رئيس وليس وقت حوار، يبدو موقف “التيار الوطني الحر” مختلفًا “من حيث المبدأ”، إذ يقول “العونيون” إنّهم “مع الحوار”، حتى لو أنّ الرئيس السابق ميشال عون قال قبل مغادرته بعبدا إنّ “لا حق” لبري بعقد طاولة حوار، لكنّهم يرون أنّ المشكلة في بري تحديدًا، باعتبار أنّه “طرف”، ولا يمكنه أن يكون صاحب المبادرة.

ماذا بعد تطيير الحوار؟

بمُعزل عن موقف “التيار” و”القوات” الذي يتقاطع أساسًا عند اعتبار أنّ الحوار، لو عُقِد، لن يُحدِث خرقًا نوعيًا في المشهد، طالما أنّهما أساسًا يرفضان “التفاهم” فيما بينهما، والذي يعتبر كثيرون أنّه وحده يمكن أن يمهّد لـ”توافق رئاسي”، فإنّ الثابت، بغياب الحوار، أنّ حالة “الشلل” التي تشهدها البلاد مستمرّة، وأنّ انتخاب الرئيس سيبقى “متعثّرًا” إلى حين، وأنّ جلسات الانتخاب التي قد يدعو بري إليها مجدّدًا، ستلقى مصير سابقاتها بصورة حتميّة.

يقول العارفون إنّ الرهان على “نفاد صبر” هذا أو ذاك، أو على “وحي” سينزل على معطّلي النصاب، ليس في مكانه، تمامًا كرهان “القوات”، غير الجدّي على الأرجح، على أنّ “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” سيقبلان في النهاية بالأمر الواقع، لعدم تحمّل مسؤولية الفراغ، وسيسمحان بانتخاب رئيس “تحدٍّ”، وفق تصنيفهما، علمًا أن تجربة فراغ 2014 الذي استمرّ أكثر من عامين تكفي لـ”دحض” هذه الفرضيّة غير الواقعيّة.

أما “البدائل”، فالخشية وفق العارفين ألا تكون موجودة، إذ لا مبادرات في الأفق حتى الآن، وقد يعود معطّلو “حوار بري” اليوم لمطالبة رئيس المجلس بعد فترة بإحيائه، خصوصًا إذا ما ساءت الأحوال أكثر، وهو ما سيحصل إن طال الفراغ الذي لا تتحمّله البلاد، إلا إذا كان هناك من يفضّل حوارًا “خارجيًا” كما جرت العادة، وهو ما من شأنه أن يشكّل “نقطة سلبية” أخرى لطبقة سياسية، لا تستطيع الجلوس على طاولة واحدة، من دون رعاية خارجية.

“طار” الحوار الذي كان رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة إليه. ثمّة من يقول إنّه “تعليق مؤقت” للمبادرة، التي سيعود إليها “الأستاذ” عاجلاً أم آجلاً، رغم المواقف المعترضة والمتحفظة، لا لشيء سوى لأنّ “لا بديل” في الأفق، إلا “استنساخ” تجربة 2014، التي قد تكون بمثابة “الكارثة” على بلدٍ منهار، سيكلّفه كلّ يوم إضافي من الفراغ أكثر بكثير من قدرة مواطنيه على التحمّل، بل ربما الصمود، إن جاز التعبير…

لبنان 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى