اقتصاد

مؤشّرات إيجابية أوّلها اتّفاق الترسيم لكنّ واقع الدولار سلبي… ما السبب؟

أُبرم اتفاق ترسيم الحدود البحرية المؤدّي إلى استقرار في المنطقة. ترسيمٌ كان يعوِّل عليه كثيرون لانخفاض سعر صرف الدولار، إضافة إلى عامل آخر، توقّع البعض أن يشكّل عاملاً يؤثّر إيجاباً في سعر صرف الدولار، وهو انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، لكن الدولار لم ينخفض بالشكل المطلوب وبقي يتقلّب بنحو سريع وطفيف ارتفاعاً وتراجعاً، دون فهم ماذا يحصل فعلياً. حالة الدولار بعد الترسيم حيّرت المواطنين أكثر فأكثر، فالمؤشرات إيجابية، لكن واقع الدولار بقي سلبياً… فما السبب؟

رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، الدكتور باتريك مارديني، في حديثه لـ”النهار”، يرى أنّ سعر صرف الدولار لم ينخفض لأنّ سعره يتأثّر بعاملين أساسيين أوّلهما عامل عرض الدولار والثاني هو الطلب عليه.

وفي شرح هذا السبب، يوضح مارديني أنّه مع اتفاق ترسيم الحدود البحرية، شهدت الأسواق المالية اللبنانية ارتياحاً، ما أدّى إلى ضخ بعض الدولارات في السوق، أدّى بدوره إلى زيادة عرض الدولار.

وفيما كان المفترض أن يخفّف هذا العرض من سعر صرف الدولار، لم يحصل ما كان مرجوّاً. فزيادة عرض الدولار تزامنت مع زيادة في الطلب عليه، عن طريق ضخ الليرة اللبنانية من قِبل المصرف المركزي، وشراء الدولارات المتوفرة في الأسواق. فالمصرف المركزي ضخّ حتى الشهر الأخير، ما يقرب من 25 تريليون ليرة، وهو “رقم قياسي ومرعب”، بوصف مارديني، فقد زاد هذا المبلغ حوالي 20 في المئة من الكتلة النقدية.

واستخدم المركزي هذه الليرات لشراء فائض الدولار وزيادة الدولار، الذي ترافق مع اتفاق الترسيم، بالتزامن مع إقرار السرّية المصرفية ومع اقتراب انتهاء عهد الرئيس ميشال عون. كلّها شكّلت مجموعة من الأجواء الإيجابية في الأسواق المالية اللبنانية زادت من عرض الدولار، والطلب عليه زاد، لكن هذه المرة من قِبل المصرف المركزي. واستطاع امتصاص حوالي 418 مليون دولار فريش من السوق. لذلك لم نشهد انخفاضاً كبيراً فى أسعار صرف الدولار، كما كان متوقَّعاً، لأن مصرف لبنان تدخّل بشرائه.

لكن حالياً، كيف نشرح ما يجري من تقلّبات في سعر الدولار؟ برأي مارديني، ما يحصل حالياً هو أنّه بعدما امتصّ المركزي الدولارات هذه من السوق، عاد وضخّ منها في الأسواق. فعندما قرّر المركزي بيع الدولار فقط عبر “صيرفة” والتوقّف عن شرائه عبر المنصّة، كان ينوي إعادة ضخ جزء من هذه الدولارات في الأسواق، وهذا الأمر خفض مجدّداً من سعر صرف الدولار بشكل طفيف.

ويصف مارديني هذه التقلبات بـ”التقلّبات الآنية” على المدى القصير لسعر الصرف، والمركزي قادر على التحكّم بها. لكن “على المدى الطويل، سيرتفع سعر الليرة مقابل الدولار وستستمر الليرة بالانهيار مقابل الدولار، لأنّ العوامل التي تؤدّي إلى ارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار، لا تزال موجودة”، وفق مارديني.

أوّل هذه العوامل هو إقرار موازنة بعجز يبلغ عشرة تريليونات ليرة، وهو عجز لا تمويل له سوى بزيادة حجم الكتلة النقدية بالليرة، وهذه الزيادة ستؤدّي حتماً إلى مزيد من ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، إضافة إلى الأزمة المصرفية في البلاد التي تعود إلى إيداع المصارف ودائعها بالدولار لدى المصرف المركزي، وتسديده لها بالليرة بدلاً من الدولار، عن طريق طباعة الليرة، ما يزيد أيضاً من طباعة الكتلة النقدية في السوق.

وما دام المودعون يسحبون أموالهم بالليرة، والمركزي يموّل المصارف بالليرة، فإنّ سعر صرف الليرة سيستمر في انهياره مقابل الدولار، وسيرتفع سعر الدولار.

لا شك في أنّ اتفاق ترسيم الحدود البحرية يؤمّن استقراراً في المنطقة. ويبقى السؤال: سعر الصرف إلى أين؟ يجيب مارديني أنّ الأجواء الآنية الإيجابية المرتبطة بالاستقرار الذي أمّنه اتفاق الترسيم، أو غيرها من الاستحقاقات التي تعكس آثاراً إيجابية على سوق القطع، “لها دور آني على المدى القصير فقط، لكن على المدى المتوسط، تحكم سعر الصرف العوامل البنيوية التي لا تزال غير سليمة في لبنان بسبب عدم قيام الدولة بالإصلاحات المالية المطلوبة التي تفضي إلى فائض بالموازنة العامة، وكذلك عدم القيام بإصلاح القطاع المصرفي. وما دام هذان العاملان مستمرّين، فإنّ سعر صرف الدولار سيستمرّ في الارتفاع على المدى المتوسط، وإن انخفض على المدى القصير لأسباب آنية”.

 فرح نصور – النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى