اخبار محلية

برّي يقبض على زمام “التحكّم” ولكن إلى متى؟

بصعوبة، يقرّ بها المحيطون به، يدير رئيس مجلس النواب نبيه بري لعبة “التحكم والسيطرة” على موجبات ومسارات فترة الشغور الرئاسي، خصوصاً أنه يعرف حجم الرغبة العارمة عند الفريق الآخر في انتزاع هذا الموقع بالذات من يد الخصم انطلاقاً من أن ثمة فرصة مؤاتية.
لذا فإن الأمر ليس نزهة بالنسبة إليه، وقد تهيّبه منذ أن أيقن أن الظروف والمعطيات الداخلية والخارجية على حد سواء لا تبيح إنتاج رئيس جديد ضمن مهلة معقولة يملأ الشغور الذي تكرّس أمراً واقعاً منذ نهاية الشهر الجاري، ولا سيما أنه يعلم تماماً أن هذا الشغور سيجعله تلقائياً في صدارة التصدي والمسؤولية انطلاقاً من اعتبارين أساسيين: الأول أنه رئيس السلطة التشريعية، والثاني أنه يستحوذ على مواصفات السلطة الشرعية الوحيدة التي لا يرقى الشك إلى شرعيّتها وتمثيلها بعد رفض الرئيس نجيب ميقاتي تأليف حكومة أصيلة مكتملة المواصفات، فأبقى على حكومة تصريف الأعمال نزولاً عند حساباته الخاصة.

ولقد أظهرت المجريات التي أعقبت أول جلسة انتخاب للرئيس في مجلس النواب أن سيد المجلس قد أعدّ لملاقاة هذا الاستحقاق الداهم عدّته، وهو الذي سبق له أن خاض تجربتَيْ شغور سابقتين، الأولى قصيرة نسبياً تلت خروج الرئيس إميل لحود والثانية مديدة وتلت خروج الرئيس ميشال سليمان من سدة الرئاسة.

وبناءً على ذلك، مضى بري في رحلة “التحكم والسيطرة” مدركاً أن ثمة شريحة وافدة أخيراً إلى المجلس تحدوها الرغبة في إطلاق أكبر كمٍّ من الضجيج والاعتراض لإثبات الحضور والفاعلية. وقد رسم استعداداً للآتي خريطة طريق تقوده إلى بلوغ أمرين معاً:

– إشغال الجميع ومشاغلتهم على نحو يبقيهم في موقع ردة الفعل ويبقي زمام المبادرة بيده هو.
– أن يستوعب بمزيج من الشدة واللين هجمات المهاجمين من داخل المجلس ومن خارجه على حد سواء.

وإنفاذاً لهذا التوجّه، بادر بري باكراً إلى إطلاق دعوته إلى انعقاد طاولة حوار وطني يشارك فيها الجميع من دون استثناء. ورغم أن ثمة من يقول إن بري كان موقناً بأن الظروف والمعطيات المتشابكة والمعقّدة لا تسمح لكثير من الأطراف بالتجاوب معها، مضى أكثر من أسبوعين في تبنّي الدعوة والدفاع عنها، فما كان من المعارضين والمشككين إلا أن انشغلوا بتنظيم الردود عليها وتبرير الرفض قبل أن يبادر هو إلى طي الدعوة تحت عنوان أنها تحتاج إلى مزيد من الظروف لإنضاجها. لكنه ما لبث أخيراً أن أعلن أنه في طور التفكير في تجديد هذه الدعوة خصوصاً بعدما أيقن الجميع أن الشغور الرئاسي أطول مما يظنون.

وخلال ست جلسات لانتخاب الرئيس، برع بري كعادته في استيعاب مفاعيل الهجمات المتكررة للذين أرادوا منازلته في عقر داره، وذلك من خلال ردود أثارت اهتمام الرأي العام وشغلته على غرار ردّ “مادّة إجرها من الشباك” أو التوجه إلى النائب سامي الجميّل بالقول: “إنني أحيلك إلى والدك وأرتضي حكمه وفتواه”، وذلك عندما حاول استدراجه إلى نقاش حيال النصاب اللازم توفّره في جلسات انتخاب الرئيس.

وفي الوقت عينه، سارع بري إلى “امتصاص غضبة بكركي وسيدها من الدعوة إلى طاولة الحوار ومن “مماحكات” المجلس من دون انتخاب رئيس ينهي الشغور الحاصل، فأوفد إليها موفداً، حسب معلومات مصدرها أوساط عين التينة ناقلاً إلى سيدها شرحاً وافياً واطمئناناً إلى أنه لايألو جهداً لإنهاء الشغور.

والعلامة الفارقة في هذا الإطار استيعابه الهجمات الشرسة لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عليه، فبادر استهلالاً إلى مساجلته ثم ما لبث أن فتح أبواب عين التينة لاستقباله، لكنّ حفاوة الاستقبال كانت متعارضة مع حماوة الرد على عرض حمله باسيل إليه وفحواه تعالوا نبحث عن شخصية ثالثة (غير باسيل وفرنجية) ونمضي بها لتكون مرشّحة المحور كله.

وثمة معلومات من عين التينة تقول إن بري لم يتح لباسيل ذكر اسم الشخصية الثالثة التي يقترحها، إذ بادر إلى إبلاغه مباشرة أن الفكرة من أساسها مرفوضة ولا داعي للكشف عن اسم هذه الشخصية المقترحة.
وهكذا يبدو بري و”حزب الله” على مستوى واحد في رفض الإفصاح عن “الخطة ب” التي يكشفان فيها مرشحهما البديل المحتمل لفرنجية إذا انسدّت الأبواب أمام هذا الخيار وحيل بينه وبين بلوغ قصر بعبدا.

واللافت حتى الآن أن بري وفريقه النيابي يرفضون تقديم فرنجية كمرشح ويصوتون له بدل #الورقة البيضاء التي بادروا إلى رميها في صندوق الاقتراع خلال الجلسات الست الماضية للمجلس على غرار ما يفعله الفريق الآخر الذي ينزل إلى ساحة النجمة أسبوعياً ليصوّت لمرشحه ميشال معوّض.
وفي الساعات الماضية، برّر المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل هذا الأداء المتّسم بالسلبية بالقول: إن فرنجية بالنسبة إلينا ليس مرشحاً للحرق والاستهلاك أو أننا نرشحه مقابل مرشح الفريق الآخر أو مرشح تحدٍّ، ويضيف إن فرنجية يريد أن يكون رئيساً للجمهورية وليس مرشحاً للرئاسة.
وهذا يعني أن فريق بري ومعه بطبيعة الحال “حزب الله” لن يرشحوا رسمياً فرنجية إلا إذا ضمنوا معطيات مقبوضاً عليها تؤمّن عملية دخول مضمونة إلى قصر بعبدا.

ولم يبتعد خليل عن جوهر خطاب الثنائي عندما قال رداً على سؤال: لا شيء مستحيل في لبنان. وهو كلام يشي فعلياً بخبايا هذا الفريق والقائم على فكرة إنضاج الظروف وانتظار الصفقات التي تؤمّن لفرنجية انتقالاً سلساً من بنشعي حيث يمضي أيامه إلى قصر بعبدا رئيساً.
وإلى ذلك الحين، لن تجد في عين التينة أو حتى عند قيادة “حزب الله” في حارة حريك من يجيبك عن سؤال: من هو مرشحكم البديل، فحتى الحديث عن ذلك مرفوض ومحرَّم.
ولأن بري يقيم على هذا المستوى من الاطمئنان إلى قدراته على “التحكم والسيطرة” فإنه يكثّف الكلام ويرفض الاسترسال.

“النهار”- ابراهيم بيرم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى