اخبار محلية

لماذا يرفض باسيل “تسوية” قائد الجيش؟!

بات واضحًا بما لا يحتمل اللبس أنّ الحراك الذي يقوده رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل في الملف الرئاسي، لا يهدف فعليًا إلى فتح قنوات التواصل مع الخصوم قبل الأصدقاء بما يمهّد لانتخاب رئيس للجمهورية، كما يقول بعض “العونيّين”، ولا حتى إلى “بلورة” صيغة “توافقية” للاستحقاق الداهم، تبدو حتى الآن أقرب لـ”المهمّة المستحيلة”، في ضوء “الشروط” التي يضعها باسيل قبل غيره.

يقول العارفون إنّه ليس خافيًا على أحد أنّ الهدف الحقيقيّ لحراك باسيل ليس سوى “قطع الطريق” على المرشّحَين المصنَّفَين، حتى الآن على الأقلّ، على أنّهما “الأوفر حظًا” للوصول إلى قصر بعبدا، رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الذي يحظى بدعم “حزب الله” ولو لم يكن مُعلَنًا لأسباب واعتبارات عدّة، وقائد الجيش جوزيف عون، الذي يروّج له كثيرون على أنّه المرشح “التوافقي” الأول، الذي يدفع المجتمع الدولي نحو دعمه.

لكن، إذا كان رفض باسيل القاطع لترشيح فرنجية مفهومًا، في ضوء المنافسة والخصومة السياسية بين الجانبين، رغم تلاقيهما افتراضيًا في الملفات الاستراتيجية إلى جانب “حزب الله”، فإنّ علامات استفهام تُطرَح عن خلفيّات اعتماد باسيل لهجة الاعتراض نفسها تجاه قائد الجيش، بل ربما أكثر، رغم أنّ الأخير عُيّن في موقعه العسكريّ بـ”مباركة عونية”، في حين أنّ “حزب الله” نفسه يبدي الانفتاح والمرونة إزاء أي توافق على اسمه؟!

تحفّظات “العونيّين”
 
مستندين إلى الكثير من العوامل والأسباب التي يصفونها بـ”الموجبة”، يدافع المحسوبون على “التيار الوطني الحر” عن موقف الوزير جبران باسيل من ترشيح قائد الجيش المفترض، وأولها أنّ “مشروع” الرجل غير واضح إزاء الملفات الكبرى التي تعصف بالبلاد، وخصوصًا على المستوى الاقتصادي، وبالتالي فهو “غير مناسب” للمرحلة التي تتطلب رئيسًا بمواصفات محدّدة بلورتها ورقة الأولويات الرئاسية، ولا تحتمل أيّ “رمادية” جديدة.

وخلافًا لما يقوله بعض الفرقاء عن أنّ نجاح قائد الجيش في مهمّته العسكرية لا يعني بالضرورة أنّه سينجح في قيادة البلاد، باعتبار أنّ المعايير المطلوبة لكلّ من المركزين مختلفة رأسًا على عقب، يبدو أنّ لدى “العونيّين” تحفظات حتى على أداء الرجل في إدارة المؤسسة العسكرية، حيث يعتبرون أنّ الحديث عن “نجاحه” نسبيّ إلى حدّ بعيد، وهو ما يعزوه خصومهم إلى الدور الذي لعبه في خضمّ “حراك 17 تشرين” والذي لم يكن “على خاطر” باسيل.
 
وإلى ما سبق، يضيف “العونيّون” سببًا ثالثًا، يعتبرونه جوهريًا، لرفض دعم ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية، يقوم على رفض تكريس “العرف” القائل بأنّ كلّ من يتولى زمام المؤسسة العسكرية يصبح “مشروع رئيس للجمهورية”، ما قد ينعكس على أدائه ومهنيته، ولو أنّ “قدوتهم” الرئيس السابق ميشال عون سلك هذا الدرب، إلا أنّهم يعتبرون أنّ “نماذج عدّة” لقادة الجيش الذين أضحوا رؤساء لم تكن ناجحة، ولا ملهمة، بل على النقيض تمامًا.
 
خوف على “الحيثية”
 
قد يكون بعض ممّا سبق منطقيًا وواقعيًا، فثمّة العديد من الأطراف التي ترفض “عرف” انتخاب قادة الجيش رؤساء للجمهورية، وبينها من يضع مثل هذا الانتخاب في إطار “عسكرة النظام”، وهو ما ترفضه القوى “المدنية” على وجه الخصوص، وثمّة جهات سياسية عدّة أيضًا ترفض اعتبار نجاح قائد الجيش في موقعه، سببًا كافيًا لانتخابه، نظرًا للتفاوت بين المسألتين، وعدم وضوح أفكار الرجل السياسية والاقتصادية، وموقفه بالحدّ الأدنى من القضايا الكبرى.

لكن، ثمّة في المقابل، من يعتبر أنّ الأسباب “الموجبة” التي يطرحها “العونيّون” لرفض دعم قائد الجيش مجرد “ذرائع” لا تتقاطع مع الواقع، إذ إنّ باسيل ما كان ليتردّد في مساندة الرجل، لو كان ممّن “يبايعونه”، إن جاز التعبير، علمًا أنّ هناك من يرى في موقف باسيل دليلاً آخر على أنّه لن يدعم سوى نفسه في استحقاق الرئاسة، خصوصًا أنّه يكرّر بين الفينة والأخرى أنّه غير مرشح “حتى الآن”، تاركًا لنفسه هامشًا لفرض هذا الترشيح في أيّ وقت.
 
إلا أنّ المتابعين يتحدّثون عن “خلفيّات” أكثر عمقًا لموقف باسيل من ترشيح قائد الجيش خصوصًا، تتعلق بـ”الحيثية” التي يخشى أن يفقدها في حال وصول العماد جوزيف عون إلى قصر بعبدا، ولا سيما أنّ الأخير قد يكون قادرًا على “اجتذاب” الكثير من “العونيّين”، الذين ما عادوا يجدون في “مسار” باسيل معبّرًا عنهم، وهو ما يتجلى بموجة الاستقالات المتكررة من “التيار الوطني الحر”، الذي يمرّ بالوضع “الأكثر هشاشة” في تاريخه على الإطلاق.
 
ثمّة من يعتبر أنّ حراك جبران باسيل لا يهدف إلى إيجاد حلّ لاستحقاق الرئاسة، بقدر ما يهدف إلى قطع الطريق أمام الجميع، لتعبيدها أمام نفسه فقط، فهو يرفض كلّ المرشحين الواقعيين، ويهزأ من أيّ تفكير بترشيح أحد المقرّبين منه. لكن، بين هذا وذاك، ثمّة من يرى أنّ قضية قائد الجيش تحديدًا تغوص “في العمق” أكثر، فباسيل لا يخشى فقط على موقع يطمح إلى تبوئه ولو جاهر بالعكس، ولكن على “حيثية كاملة” تكاد تسقط منه، بلا أسف!

لبنان 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى