اخبار محلية

أزعور “مُقيّد” من صندوق النقد

قبل أسبوع من جلسة 14 حزيران، يبدو مرشح تقاطع المعارضة – “التيار الوطني الحرّ” لرئاسة الجمهورية جهاد أزعور، في موقع “مهزوز” فعلاً، ما يُعزّز أكثر من فكرة أن هذا الترشيح بالذات، غرضه المناورة، أو أنه ليس جدياً.

عدّة عوامل توحي بهذه المشهد: أولاً عدم توصل “تقاطع المعارضة” إلى “سكور” حاسم يوحي بالثقة. ثانياً بقاء الصراع الداخلي بين بعض القوى المنضمة إلى “التقاطع” على حاله، وسط صعوبات لا توحي بأن التوافق متوفر، فيما بعض الكتل لم تعطِ موقفاً نهائياً من ترشيحه بعد.

إذاً ثمة تعقيدات لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها، أو على الأقل لا يُمكن العبور إلى جلسة انتخاب فيما لا تزال قائمة.

عملياً سلّم أزعور، وبشكل نهائي، أن ما من أصوات شيعية وازنة ستصب في محفظته. ماذا عن تلك السُنّية؟ لا جواب واضحاً يتبرّع أحد بتقديمه حتى الآن. الحالة الدرزية لا تختلف كثيراً. لغاية الساعة لا قراراً درزياً واضحاً أبلغ رسمياً إلى أزعور يوحي بدعمه، باستثناء بعض المواقف الإعلامية. إلى هذا الجانب يُضاف آخر. لم يرد إلى أزعور بعد أي رقم رسمي للأصوات التي سيجنيها من تحالفه مع المعارضة. يضاف إلى سلة المشكلات ما يرتبط بعدم حصوله على ما يضمن وصوله إلى كرسي رئاسة الجمهورية. لذلك، لوحظ أخيراً أن أزعور يتصرّف ببرودة شديدة، ويبدي حذراً في مسألة التقدم خطوة إلى الأمام، مفضّلاً البقاء في خلفية المشهد، أو حيث يتموضع حالياً، منتظراً مبادرات من قبل من أعلنوا أو سيعلنون دعمه.

إلى جانب الصعوبات العددية والميثاقية ثمة مشكلة وظيفية يواجهها أزعور لا تقلّ أهمية، تتمثل بمركزه الحالي كمسؤول عن إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي. ثمة من يعتقد أن الصندوق رسمَ حدوداً أمام حركة أزعور، تجنّباً لاتهامات سياسية قد تُساق ضده، فيما آخرون ينقلون أن “الصندوق” يمارس ضغوطاً على أزعور للحؤول دون انغماسه أكثر في الشأن السياسي اللبناني، فيما البعض الآخر، يرى أن تلك الضغوطات تجد تفسيرها ضمن لائحة “قواعد الوظيفة” لدى الصندوق، لا سيما المادة 31، ومحاولة “الصندوق” خلق توازن. في هذه الحالة يصبح أزعور مقيّداً على أكثر من صعيد، مع توفر معوقات تحول دون تقدمه في المسار الرئاسي.

من جملة ما يعانيه، أن ليس في مقدوره إجراء لقاءات موسعة مع النواب أو القوى السياسية، سواء لإقناعهم به أو ببرنامجه. ثمة صعوبات تحول أيضاً دون زيارته لبنان والإجتماع مع المعترضين على ترشيحه بهدف تطمينهم أو إجراء زيارات للقوى تلك ومناقشتها في ما سيلي انتخابه إن حصل. الزيارات التي أجراها إلى بيروت سابقاً كانت ذات طابع تقني، أو في طريق عبوره إلى دول أخرى. الأمر نفسه ينسحب على مسائل لوجستية أساسية، كعدم قدرته على إطلاق “حملة” تدعم ترشيحه، أو الظهور في مؤتمر صحافي أو بمقابلة تلفزيونية يُحدّد فيها رؤيته ويطل من خلالها على الجمهور، والخروج من أن هذا الجمهور يتعاطى مع أزعور كمرشح “شبح”.

الموضوع مرتبط بشكل أساسي بمضمون المادة 31 – النشاطات السياسية التي تنص على الآتي:

“يحتاج الموظفون إلى إذن للمشاركة في الأنشطة السياسية، باستثناء أنشطة مثل التصويت، وتقديم مساهمات سياسية قانونية، والمشاركة على المستوى المحلي أو الشعبي أو المجتمعي. لا يجوز للموظفين الترشّح للمناصب العامة المنتخبة دون الحصول على إذن. يجب على الموظف الذي يقبل التعيين السياسي أن يعرض الإستقالة من صندوق النقد الدولي”.

ثمة أكثر من تفسير للمضمون. الأول يعتبر أن أزعور في حالته الراهنة، يُشارك بنشاط سياسي. وتبعاً للنص ليس في مقدوره التوسّع في مسألة الترشيح. يحيلون تفسيرهم إلى حالة حصلت حين أبلغ أزعور رفضه المشاركة في لقاءات موسعة وذات طابع سياسي مع الكتل، وبأنه اعتذر سابقاً عن المشاركة في لقاء جماعي مع “نواب التغيير” عبر تقنية “زوم”، مستعيضاً عنه بإجراء لقاءات فردية، متذرّعاً بحاجته إلى إذن. في المقابل، هناك تفسير آخر، يعتبر أن حالة أزعور تنطبق على الشقّ الأخير من المادة والمتعلّق بالتعيين. فرئاسة الجمهورية في لبنان لا تتوفر فيها شروط الترشح كأي حالة أخرى في العالم. وحالة أزعور الراهنة ليست حالة فيها إعلان من جانبه بالترشح إنما إعلان من قبل نواب بنيتهم ترشيحه، وهو أشبه إلى ما يرد في خانة “التعيين السياسي”. ولذلك، يسمح لأزعور ان يُتداول بإسمه من دون مشاركة مباشرة من جانبه، ويكفيه الإستقالة من منصبه لقبول التعيين.

لا يخفي بعض المواكبين، أن البنك الدولي لا يحبّذ أن ينخرط أزعور كثيراً أو يذهب بعيداً في الجو السياسي اللبناني، مخافة اتهامه بأنه يستغل منصبه الإقليمي – المالي (الذي يقع لبنان من ضمنه) في سبيل تحقيق مكاسب سياسية ذاتية وآنية. في المقابل، لا يريد أزعور التضحية بموقعه الحالي المضمون لأجل موقع ليس مضموناً بعد. لذلك مثلاً، رفض أزعور الإستقالة من مركزه في صندوق النقد، والتفرّغ إلى مسألة الترشّح لرئاسة الجمهورية بكل أبعادها. كذلك، ما زال أزعور يتجنّب الخوض في مسألة إعلان ترشيحه رسمياً، متذرّعاً بضرورة نيله موافقة مسبقة، أو لعدم وجود ضرورة لكون القانون اللبناني لا يشترط ذلك. وثمة من يعتقد أن أزعور يستفيد من هذه المسألة تحديداً من أجل تأمين مزيدٍ من المكتسبات والضمانات من جانب داعميه حيال مستقبل ترشيحه ومدى الإحتمالات المتوفرة كي يصبح رئيساً، وقد يكون يُفاوض من أجل انتزاع موقف ثابت يفيده في مجال تعزيز أوراقه ضمن الصندوق ومنحه حرّية أكبر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى