ما إن طرحَ نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب فكرة إجراء إنتخاباتٍ نيابيّة مُبكرة الأسبوع الماضي كمدخل لحلّ أزمة الشغور الرئاسيّ، حتى كثُرت التحليلات بشأن تلك الخطوة التي لم يرفضها رئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة، ولا “حزب الله” من جهةٍ أخرى.
أمام ما حصل، طُرِحت تساؤلات عديدة عن المستفيدين من هذه الإنتخابات إن حصلت، فيما وجدت أطرافٌ أخرى أنّ بإمكانها الخروج بـ”إنتصارٍ” من ذاك الإستحقاق. فعلى سبيل المثال، أقرّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، أمس الإثنين في حديثٍ تلفزيوني، بأنهُ لا مشكلة لدى حزبه بحصول إنتخابات مُبكرة، معتبراً أن وضع الأخير جيّدٌ وأقوى من السَّابق.
بمعزلٍ عمّا يقوله باسيل وعن التوقعات بشأن موازين الربح والخسارة في تلك الإنتخابات، يبقى السؤال الأساس عما يمكن أن يُفرزه ذلك الإستحقاق من نتائج لاسيما وسط القانون الإنتخابي الحالي. فبكل واقعية، تعيش الكثير من الأطراف السياسية أزمة وجوديّة في ظلّ الكثير من الملفات الضاغطة، وإن عاد الأمرُ إليها، تُفضل عدم حصول الإنتخابات بـ10 سنوات لأنّ الظروف غير مواتية لها. لكنه في المقابل، هناك جهة واحدة يمكن أن تقودَ ما يُسمى بـ”التسونامي الإنتخابي”، وتتمثل بشخصية الرئيس سعد الحريري وتيار “المستقبل”.. حقاً، الإنتخابات – إن حصلت وإن شارك فيها التيار الأزرق – ستكونُ ضربة إيجابية له في حال قرّر خوضها، فكيف سيكون ذلك؟
على جبهة “التيار الوطني الحر” وغيره من التكتلات السياسية الأخرى، برزَ اعترافٌ بأن توازنات المجلس النيابي الحالي تعاني من إختلالٍ كبير، فيما قالت أطراف أخرى مقربة من “الحزب البرتقالي” وآخرين إنّ ما ساهم في انعدام التوازن البرلماني هو غياب الحريري عن المشهدِ السياسي. حتماً، الكلامُ هذا صحيح ولا يُمكن إنكاره، فوجود كتلة سُنيّة بارزة للحريري داخل البرلمان ساهمَ بتغيير المعادلات سابقاً، ومن خلال الأخير حصلت التسويات التي أدّت إلى إنتخاب رئيسٍ للجمهورية قبل 6 سنوات.
بغضّ النظر عما يمكن أن تقدّمه الإنتخابات النيابية لملف الرئاسة، يكفي القول إنه في حال حصولها وإندماج “المستقبل” بها، سيكون الحريري الفائز الأول بها لـ3 أسباب: أولاً لأن وجوده في الساحة السياسية بات مطلباً داخلياً مُلحاً، فيما كتلته السياسيّة تعدّ “بيضة القبان” بين مختلف الأفرقاء. حقاً، الأطراف السّنية في مجلس النواب أساس التوازن وعليه لا يمكن نكران دورها أبداً في تغيير المشهد.
السبب الثاني الذي لا يُمكن إغفاله أيضاً هو أنَّ قاعدة الحريري الشعبية ستكونُ عابرة لمختلف الطوائف، كما أنها باتت أقوى داخل الطائفة السنية. حتى الآن، لم تنجح محاولات الكثيرين في ملء الفراغ الذي تركه الحريري . لهذا السبب، إن قرر الأخير خوض الإنتخابات، عندها سيكون من معه ومن ضدّه إلى جانبه من أجل العودة، لأن التوازن السياسي مطلوبٌ بشدّة عبره في ظلّ النظام القائم.
السبب الثالث الذي يجعل الحريري العنصر الرابح في الإنتخابات هو أنَّ دورهُ سيكون مُكملاً لأطراف أخرى عديدة، وإن شاء الإنخراط بالإستحقاق الشعبي، ستلجأ الكثير من الأحزاب والجهات للتحالف معه. عندها، سيكون الحريري رافعة للكثيرين لأن هؤلاء يعلمون أن التأييد سيكون قوياً له، وبالتالي إستفادتهم الإنتخابية ستكونُ كبيرة. وعليه، سيكرّس الحريري نفسه “قِبلة” للكثيرين مُجدداً، ومن الممكن أن يكون مفتاحاً لحل أزمة الشغور الرئاسي من خلال التوازن الذي سيُرسيه من جهة، ومن خلالِ تكريس كلمة الطائفة السنية الوازنة مُجدداً داخل مجلس النواب، من جهة أخرى.
في خلاصة القول، حقاً، سيكون الحريري أوّل الفائزين وأقلّ الخاسرين إن حصلت الإنتخابات، فعودته باتت مطلباً شعبياً، ومن كانوا بعيدين عنه سيختارونه دون سواه، لأنهُ “ضمانة”.. فهل سيحصل سيناريو العودة عبر “التسونامي الشعبي” الكبير؟ لا شيء يمكن حسمه حتى الآن، والقرارُ الأول والنهائي هو بيد الحريري الذي لم يُقرر العودة، بعد تعليق عمله السياسي مطلع العام 2022.
لبنان 24