باسيل يخسر فرصةً قد لا تتكرّر
كعادته، لم يكن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل موفّقاً في إطلالته التلفزيونية مع الإعلامي ألبير كوستانيان. ومن الصعب إحصاء عدد المغالطات التي تفوّه بها باسيل، في محاولة منه لتلميع صورته وتزيين خياراته وفرض قراراته.
لكن ما أثار الإنتباه، هو اعتراف باسيل أن شعبية “التيار” في تراجع مستمر منذ العام 2005، عازياً السبب إلى تحالف مار مخايل بين “حزب الله” و”التيار”، لكن الحقيقة غير ذلك كلياً، فالصغير قبل الكبير يعلم أن تراجع شعبية “التيار” سببها “العتمة” التي تسكن بيوت اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، وعبارة “ما خلّونا” التي خيّمت على سنوات “العهد” وما قبله، وتحوّل “التيار البرتقالي” من حزبٍ مناضلٍ في الساحات، ومتبنٍّ لقضايا الناس، إلى تيارٍ “وراثي” يخضع لمصالح رئيسه، تارةً مع نادر الحريري وتارةً مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وكلها تحالفات تمّت تحت سقف المحاصصة وتوزيع الغنائم.
أخطأ باسيل عن قصد حين اعتبر أن خروج المناضلين القدامى من “التيار” حصل لأسباب شخصية. هو يعلم تماماً أن خروج غالبيتهم تمّ وفق خطة تطهير “التيار” من جميع “الأقوياء” وأصحاب الرأي، وتمّ نتيجة حملات تهميش وتحجيم، شنّها جبران عليهم، وهو يدرك أن تراجع شعبية “التيار” يرتبط بخروج هؤلاء الذين لم يبحثوا عن مناصب وزارية وثروات مالية.
لكن باسيل، الذي يستثمر في الأوكسيجين الذي يتنشقّه الجنرال ميشال عون، عازم على مواصلة حملة التطهير، وإبعاد كل من تُسوِّل له نفسه معارضته داخل أروقة “التيار”، وفي أغلب الظن أن حملة إقصاء الصقور في “البرتقالي” ستتمّ على حياة الرئيس المؤسِّس، كي يبارك لباسيل أفعاله، ويكون له سنداً في ضرّائه، بعدما كان له جسراً نحو سرّائه.
أيلول المقبل سيكون محطةً زمنية جديدة يُكرِّس باسيل بها نفسه وريثاً ل”التيار الوطني”، كيف لا؟ وجبران يحكم “التيار” بسيف عمّه وهيبته ومكانته ورمزيته، ويتعاطى مع نواب “التيار” وقيادييه على قاعدة “إعترضوا ثم نفِّذوا”.
وبما أن باسيل اعترف أن جميع نواب “التيار” التزموا بالتصويت لجهاد أزعور، باستثناء واحدٍ صوّت لزياد بارود وهو الياس بو صعب، يكون باسيل قد أضاع على نفسه فرصة التخلّص من النواب الصقور، وربما عليه انتظار حالة اعتراضية مشابهة كالتي تزامنت مع ترشيح أزعور، كي ينقضّ عليهم، ويفتح لهم أبواب الرحيل.
الأمر الآخر، هو أن تراجع باسيل عن تصعيده لم يكن حرصاً على وحدة “التيار”، ولا حباً بمعارضيه، بل لأنه وجد صعوبةً كبيرة في التخلّي عن عددٍ وازن من النواب، فيما هو يفاوض في الداخل والخارج على أساس أنه صاحب كتلة كبيرة، وهو يعلم أن أي اختلال في حجم كتلته، سيُخفِّض سعره ودوره على طاولة القرار، حين تحين ساعة التسوية النهائية.
في المحصّلة، فوّت باسيل على نفسه قطار الإنتقام من معارضيه، وطالما أنه اعترف بالتزامهم، فلا يحقّ له محاسبتهم، إلاّ إذا أراد فبركة بعض الروايات بحقهم، وحينها لكل حادث حديث.
ليبانون ديبايت – محمد المدني