يواجه العالم اجمع حربا من نوع اخر بمواجهة الامراض والأوبئة الفتاكة. ومؤخرا ظهر تحذير جدي بدأ يطرأ على الساحة العلمية بشكل مخيف، حيث حذر علماء وباحثون مما اسموه “الوباء الخفي” الذين يمكن أن يندلع بعد وباء “فيروس كورونا”.
انّه وباء يرتبط ببكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، حيث كشف تقرير عالمي نُشر في مجلة “لانست” بإشراف خبراء دوليون بقيادة جامعة واشنطن في الولايات المتحدة الأميركية، عن وفاة أكثر من 1.2 مليون شخص عبر العالم بسبب عدوى بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية. وأفاد التقرير بأن الدول الفقيرة هي الأكثر عرضة للظاهرة، ولكن مقاومة المضادات الميكروبية خطر يهدد جميع الناس في كل العالم.
ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية لعلاج أنواع بسيطة أحيانا من العدوى، وهذا ما جعل الناس يموتون من عدوى اعتيادية كانت من قبل، قابلة للعلاج، لأن البكتيريا المسببة لها أصبحت الآن قادرة على مقاومة العقاقير، حسبما جاء في الدراسة.
وباء خفي
ومن هنا، جاء التحذير المرتبط بتحول مقاومة المضادات البكتيرية الى “وباء خفي”، ما لم يتم الالتزام بوصف المضادات الحيوية بعقلانية.
وفي لبنان، تفيد أبحاث صدرت في وقت سابق عن الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية، ومدى تأثير ذلك خصوصا على الأطفال، حيث تشير التقديرات، إلى أن نسبة تفشي هذه البكتيريا في لبنان قد تلامس الـ 30%.
وحتما، مما لا شك فيه أن المضادات الحيوية تعد من الأدوية المهمة التي تحارب الالتهابات البكتيرية لدى البشر، لكن سوء استخدامها قد يسبب مخاطر صحية. وأكثر هذه المخاطر تنسحب على الجهاز الهضمي، كالاستفراغ والإسهال وألم المعدة والمغص المعوي والانتفاخ، وتتعدى الخطورة ذلك الى الإصابة بأنواع مختلفة من الجراثيم التي تصيب القولون وقد تؤدي للوفاة. إضافة الى اعراض أخرى مثل الطفح الجلدي وغيره.
منظمة الصحة العالمية
وفي وقت سابق، قدّرت منظمة الصحة العالمية انّه إذا استمرت التطورات الحالية على هذا المنوال، فقد يموت بسببها 10 ملايين شخص كل عام بحلول العام 2050، ما يجعل مقاومة مضادات الميكروبات أكثر خطورة من أمراض “داء السكري”، و”السل”، و”فيروس نقص المناعة البشري” بحسب المنظمة.
في لبنان
يدرك الباحثون والأطباء في لبنان، خطورة المسألة، لهذا عمل عدد منهم على اجراء أبحاث متطورة تفيد بمدى الخطورة والبحث في سبل العلاج والحلول. ومن بين الأبحاث التي تم تنفيذها، بحث متطور محلي ويتابع الحالات العالمية، للدكتورة سهى كنج شرارة، رئيسة قسم الامراض الجرثومية ورئيسة برنامج ترصد العدوى في الجامعة الأميركية في بيروت، والتي نالت إثره مؤخرا جائزة “إنتصار الأحدب” لتميز المرأة وتأثيرها في المجال الطبي من قبل الجامعة الأميركية في بيروت. كما حصلت على الجائزة التكريمية أيضا الدكتورة منى فواز، اللتان طورتا ابحاثا في فضاء الأبحاث الطبية والعلمية فتفوقتا ونالتا التقدير، على الرغم من كل الصعاب التي تعصف بالجسم الطبي في لبنان والهجرة الطبية التي شهدناها مؤخرا.
تقول الدكتورة شرارة في حديث مع “لبنان 24” انّ هذه الجائزة خصصت للنساء الباحثات بشتى المجالات والأبحاث العلمية. وتتابع: “أن أعمل في مجال الطب وأمارس المهنة منذ عودتي من الولايات المتحدة الأميركية منذ 24 عاما، ومن بين سلسلة الأبحاث التي عملت عليها، مجموعة من الدراسات المتعلقة بالأمراض الجرثومية وكافة أنواع البكتيريا والطفيليات. وركزت في الـ15 عاما الأخيرة من عملي على الأبحاث المرتبطة بالجراثيم المضادة أي تلك الجراثيم التي لا تتجاوب مع أدوية الالتهابات. وفي هذه الأبحاث تطرقنا الى معرفة مدى انتشار المشكلة في لبنان وانتشارها على المستوى العربي والعالمي أيضا”.
بروتوكولات علاجية
وبحسب شرارة: “تلقي هذه الأبحاث الضوء ايضاَ على الطرق التي يجب اتباعها للحد من تكاثر الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية كبروتوكولات علاجية، مع إيجاد الخطط والبرامج للحد من تكاثر البكتيريا وبطبيعة الحال الفيروسات المقاومة للمضادات”.
وتتحدث شرارة عن مدى صعوبة اجراء هذه الأبحاث التي تحتاج الى فريق عمل كبير، “هذه الأبحاث تم تنفيذها بالتعاون مع افراد من الجامعة الأميركية في بيروت، إضافة الى دراسات عالمية قمنا بالمشاركة فيها لمعرفة مدى تطابق المشكلة عالميا ومحليا وكيفية إيجاد الحلول ومجاراة اهم بروتوكولات العلاج في العالم، وهذا ليس فقط على مستوى البشر، وانما على مستوى الحيوانات أيضا”.
وتتابع شرارة: “كل ذلك مرده الى الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية بشكل عشوائي مبالغ به. واضافة الى الأبحاث التي نقوم بها، أيضاَ نشارك على مستوى الجامعة بحملات التوعية للحد من هذه المشكلة الخطيرة ومنع استخدامها بشكل عشوائي”.
جيل الباحثات
وبالعودة الى الجائزة، تقول شرارة: “تُعطى هذه الجائزة للمرة الأولى في الجامعة الأميركية، والتي منحت من قبل العضو بمجلس الأمناء في الجامعة الدكتورة هناء الصمد لتكريم والدتها انتصار الاحدب. وأقول انّ الجائزة تنم عن عمل جماعي كبير والشكر الموصوف للأطباء المتدرجين الذين وضعوا مجهودا كبيرا لإتمام هذه الدراسات. كما أود أن أتحدث عن أهمية إعطاء الجوائز للنساء الباحثات وذلك لتشجيع الجيل الجديد للباحثات ليكن لهن دور كبير في عالم الأبحاث”.
لبنان 24