ماذا يعني أن يكون تيمور جنبلاط رئيساً للحزب التقدمي الاشتراكي؟
نجح المؤتمر العام للحزب التقدمي الاشتراكي في نقل رئاسة الحزب من وليد جنبلاط الى تيمور جنبلاط في احتفالية جامعة، أخفت كل العيوب التنظيمية التي تحدث عنها بعض الإعلام، او بعض المتضررين من تعليمات انتخابية قد لا تكون بمستوى المناسبة الكبيرة. والمؤتمر انعقد بالهواء الطلق في بلدة عين زحلتا الشوفية، نظرا لعدم وجود مكان مغلق يمكنه احتضان ما يقارب 1900 مشارك من الأعضاء المرشدين ومندوبي المناطق الحزبية وممثلي الهيئات الشبابية والنسائية والكشفية والعمالية الرافدة، كما أن العملية الانتخابية تحتاج لمكان واسع، وهي استغرقت ما يزيد على 4 ساعات بين إدلاء الحاضرين بأصواتهم وعملية فرز النتائج، برغم أن تيمور ونواب الرئيس الإثنين وأمين السر فازوا بالتزكية لعدم وجود منافسين لهم.
محفظة تيمور جنبلاط ثقيلة، وهي مليئة بالملفات المتنوعة والمتشابكة، منها العائلي ومنها الطائفي ومنها الحزبي، وهو ملزم بمتابعة قضايا عادة لا يتابعها القادة السياسيون، خصوصا رعاية شؤون القصر التاريخي الفريد الذي شهد على أهم مفاصل السياسة اللبنانية منذ 300 عام، كما أن «زعيم القصر» اعتاد متابعة تفاصيل الحياة الخاصة والعامة في الجبل اللبناني ومناطق أخرى، وهو مسؤول عن حفظ التوازنات بين المكونات اللبنانية فيه، وقد تكون أصعب مهامه على الإطلاق، وراثة دور والده وليد جنبلاط «مالئ الدنيا وشاغل الناس» على ما يقول متابعون طيلة 46 عاما، أي منذ استشهاد والده المفكر والفيلسوف ومؤسس الحزب والحركة الوطنية اللبنانية كمال جنبلاط.
والوراثة بالمفهوم السياسي «صوفتها حمراء» ومن السهل تناولها وانتقادها، خصوصا في لبنان حيث مازالت العائلات السياسية توصف بالإقطاعية برغم إلغاء هذا النظام منذ العام 1840، بعيد انشاء نظام القائمقاميتن في جبل لبنان. وتيمور جنبلاط كما جده كمال ووالده وليد، كانوا يطالبون من الأنصار والمؤيدين بالحكم عليهم من خلال أدائهم، وليس لأنهم أبناء عائلة ساهمت في تأسيس الكيان، لكن المنافسة السياسية تبيح استخدام كل أنواع النعوت ضد المنافسين، حتى ولو مارسوا التقية بكل مندرجاتها، او أنهم يصرفون ثرواتهم الموروثة في مساعدة الناس، وتلبية طلبات المحتاجين. علما أن شراكة آل جنبلاط في الحكم في السنوات الماضية كانت محدودة جدا، وغالبا كانوا ملزمين بالمشاركة، لأن اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية عام 1990، فرض توزيع السلطة على ممثلي الطوائف في البرلمان، وجنبلاط لا يستطيع التنكر لهذه المقاربة، برغم أنه ينشد الغاء الطائفية، ويطالب بالدولة المدنية، وهو ما تضمنه خطابه الذي فاجأ المشاركين.
والحكاية مع تيمور جنبلاط تتجدد، فلا خوف من مهارة الأداء، ولا مفر ولا مهرب من القدر، ودور المختارة وتضحياتها مؤثر دامغ لا تمحيه السنون، والملتئمون في مؤتمر عين زحلتا يفضلون ألف مرة تأييد تيمور للزعامة، وهم مقتنعون بقرارهم من دون أي ضغوط، لأن أي خيار آخر قد يدخلهم في مصير حزبي وسياسي مجهول، وما حصل مع جورج باباندريو أبن مؤسس الحزب الاشتراكي اليوناني «باسوك» عام 2011 خير دليل، فقد انهار الحزب في تلك الحقبة عندما ترك باباندريو رئاسته، وتعرض لا حقا لانقسامات غريبة، رغم حضور السمة الأفلاطونية على الديموقراطية اليونانية.
لا مجال لتجاهل النجاحات وعرض جوانب بعض الإشكاليات التي رافقت المؤتمر من الناحية التنظيمية التي بقيت بالحدود المسموح بها، والديمقراطية المنظمة التي نادى بها كمال جنبلاط نجحت في إخفاء عيوبها عن المشهد، فلم يكن هناك ديكتاتورية تفرض ارادتها بالقوة على الخيارات الانتخابية للمشاركين، والفوضى كانت خفيفة الظل، ولم تبد للعيان بوضوح.
كان المؤتمر جريء، ولم يخف من السير بالعتمة التي تخيم على مفاصل الحياة اللبنانية. نجح في تكريس زعيم شاب تقدمي منفتح يكره الفوضى والمحاباة و«الكولسة» لكنه فشل في إسدال الستارة على صورة زعيم كوليد جنبلاط لا تغيب عنده الشمس، وهو اختار بإرادته البقاء في الظل، او على شرفات المراقبة البعيدة.
الأنباء الكويتية – ناصر زيدان