لا شك أن إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أن الأميركيين يفضلون خيار قائد الجيش جوزاف عون لرئاسة الجمهورية، كان أشبه بالرسالة المباشرة إلى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل دون سواه، ومفادها أن الخيار الثالث لرئاسة الجمهورية عند الخارج في حال نضجت التقاطعات الاقليمية والدولية هو قائد الجيش. وكل ذلك من أجل دفعه إلى التراجع خطوة إلى الوراء عن الالتقاء مع المعارضة والذهاب إلى التفاهم والتوافق مع “الثنائي الشيعي” والمرشح الرئاسي رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية حول سلة متكاملة وكيفية العمل في المرحلة المقبلة.
يعلم بري جيداً أسوة بالمكونات السياسية الأخرى أن النائب باسيل لا يمكن أن يقبل بانتخاب العماد عون الذي تعرض في الأونة الأخيرة إلى نيران صديقة من “التيار الوطني الحر” وعن سابق تصور وتصميم بعدما كانت الخلافات بين باسيل وعون منضبطة إلى حد ما. علما أن أسباب الخلاف تعود إلى رفض القائد تدخل نائب البترون في تعيينات ومناقلات الضباط المسيحيين، مرورا بتحميل باسيل العماد عون مسؤولية اتساع رقعة الاحتجاجات في 14 تشرين 2019 والتي كانت موجهة ضد العهد، ووصولا إلى اتهامه بمخالفة قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية، واخذ صلاحيات وزير الدفاع بالقوة ، والتصرف على هواه بالملايين بصندوق للأموال الخاصة وبممتلكات الجيش. والأكيد أن الأمور لم تنته عند باسيل ولن تنتهي قبل بزوغ فجر رئاسي جديد، فالأخير يخشى انتخاب العماد عون رئيساً متذرعا بأن رفضه ينطلق من انه لا يجوز اعتبار كل قائد جيش مرشحاً طبيعياً للرئاسة.
الاسبوع الفائت وفي إطلالة له اعتبر باسيل أن العماد عون لا يلبي متطلبات المرحلة المقبلة ولا تنطبق عليه مواصفات الرئيس المطروحة في ما خص المشروع الاصلاحي المطروح، فقال “يللي انعمل معنا من شخص نحن عيّناه، وحده كاف للتأكّد من عدم احترامه والتزامه أيّ ضمانات ممكن أن يقدّمها”، متسائلاً “كيف يمكن أن يبدأ “عهده” بكسر الدستور ،هيدا الواحد بيتأمّل إصلاح منّو؟”.
كل هذا ويلتزم القائد بالصمت من دون إصدار أي بيانات يرد من خلالها على أقوال باسيل، لكنه في المقابل يتقن فن الرد بطريقة غير مباشرة وبعيدا عن الاسماء. ففي آذار الماضي قال عون من البقاع الشمالي: فيما يقدم الجيش التضحيات الجسام ويتحمل مسؤولياته بمهنية واحتراف على رغم التحديات، يستمر بعض الموتورين والمسؤولين المعنيين وغير المعنيين في اختلاق الإشاعات وفبركة الملفات وتشويه صورة المؤسسة واتهامنا بالفساد وخرق القانون”. وأضاف “إذا كان خرق القانون يتيح لي قبول مساعدات من اللبنانيين المحبين للمؤسسة في الداخل والخارج، وتأمين الدواء والتغذية والتنقلات للعسكريين، والاستشفاء والمساعدات المدرسية لعائلاتهم، ويعينهم على الصمود ويخفف عنهم الصعوبات المعيشية، ويسمح للجيش بتنفيذ مهماته، فسأخرق القانون”.
وقبل ايام، أعلن العماد عون وضمن رسائله المشفرة إلى من يعنيه الأمر ، أن القائد الناجح هو الذي يخلق الأمل ويذلل الصعوبات ويستنبط الحلول، وهو صاحب المبادرة الذي يقود سفينته إلى بر الأمان، مشيرًا إلى أن جدارة القائد تتجلى في الظروف الاستثنائية. واعلن أيضاً في ما خص التعيينات أنه لا يحق لأحد استلام الجيش إلا رئيس الأركان الذي ينوب عن قائد الجيش. هذا الأمر منصوص عليه بوضوح في قانون الدفاع الوطني. لذا فإن تعيين أعضاء المجلس العسكري ضرورة”.
إذن الصدام على أشده بين البياضة واليرزة، فهل يلعب “الثنائي الشيعي” على وتر هذا الخلاف لسحب باسيل إلى مربع انتخاب فرنجية، خاصة وأن توقيع مرسوم عمداء الـ ٩٤، والترقيات العسكرية الأخرى كانت في سياق الضغط على باسيل من قبل الرئيس نبيه بري وتسليف قائد الجيش أيضا في ما خص البحث في تعيينات المجلس العسكري؟
وفق المعلومات من مصادر مطلعة على الأجواء الأميركية لـ”لبنان24″ فإن هناك انقساما في واشنطن من قائد الجيش، فبينما يعتبر أعضاء في الكونغرس أنه يتعاون إلى اقصى الحدود مع حزب الله الامر الذي يفرض على الإدارة الأميركية التعاطي بطريقة مغايرة مع المؤسسة العسكرية وتخفيض الدعم والمساعدات لها، ثمة وجهة نظر أخرى ترى أن التراجع في دعم الجيش سيجعل هذه المؤسسة في حضن حزب الله، ومن هنا لا يزال هذا الفريق المؤلف من اعضاء في مجلسي الشيوخ والكونغرس يتمسك بالرهان على دور الجيش اللبناني، لمنع الانهيار الشامل في لبنان ولا بد من دعمه والتنسيق معه، ويرفض انتخاب رئيس مدعوم من حزب الله ويروج لأهمية انتخاب العماد عون من خلال القطريين.
وبحسب أوساط سياسية مقربة من حزب الله لـ”لبنان24″، فإن علاقة جيدة تربط حارة حريك باليرزة لا سيما في القضايا الاستراتيجية( الوضع في الجنوب على وجه التحديد) وبالتالي لا يمكن لأحد القول إن الحزب يضع فيتو على العماد عون. لكنه يدعم ترشيح الوزير فرنجيةـ، ومتمسك بموقفه، وهذا ما حصل أيضاً عندما دعم العماد عون لرئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، فرغم الدفع الفرنسي في حينها لانتخاب فرنجية الصديق والحليف للحزب وتأييد الرئيس سعد الحريري له، إلا أن السيد حسن نصر الله لم يتراجع عن الوعد الذي قطعه للجنرال.
في خضم كل ذلك، فإن الوزير السابق جهاد أزعور ليس مرشحا جدياً عند باسيل، والرئيس السابق ميشال عون طرح اسم الوزير السابق زياد بارود لرئاسة الجمهورية خلال لقائه الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان جوابه” ما بعرفو”. ومن هنا ترجح مصادر سياسية أن يستدرك رئيس “التيار الوطني الحر” مخاطر عناده لئلا تنقلب الامور عليه ويخرج الخاسر الاول والوحيد من التفاهمات السياسية الرئاسية، لإن اي تفاهم خارجي على سلة متكاملة تضم اسم قائد الجيش لرئاسة الجمهورية اذا طال أمد الفراغ يعني أن القوات اللبنانية سوف تصب في خانة ” غير المعارضين” فضلا عن نواب اخرين من مستقلين وتغييريين لانتخاب عون إلى جانب حزب الله وحركة امل، وهذا سيكون بمثابة إبعاد قسري للتيار العوني عن السلطة والحكم.
ولذلك، لا يزال “الثنائي الشيعي” يراهن على ما تقدم ليعود باسيل إلى تموضعه القديم والتسليم بانتخاب فرنجية، لاقتناع النائب البرتقالي أن التقاطع حول عون ليس في مصلحته خاصة وأن عددا من نوابه يمكن أن يصوتوا لعون بخلاف قراره اذا انتهت التسويه إلى ترشيحه، اسوة بالقاعدة العونية التي لم ولن تجاريه في خصومته ضد القائد.
لبنان 24