أربع سنوات كانت كفيلة بتغير المشهد الاقتصادي اللبناني، من وضع مستقر إلى وضع من المستحيل تحمله أو التعايش معه، وهو ما تجمع عليه الأغلبية العظمى من المواطنين، وما تظهره الحركة الاقتصادية. ففي السنوات الماضية، كانت الحركة التي تسبق عيد الأضحى نشطة إلى حد كبير. العائلات منشغلة في التحضيرات لاستقبال العيد، بدءاً من التبضع ووصولاً إلى شراء الحلويات والهدايا.
أما اليوم، فالمشهد بات مختلفاً بشكل لافت. يطل عيد الأضحى مع تبدل واضح في تقاليد الناس، وتحولت الأساسيات إلى ما يشبه الضروريات في ظل انعدام القدرة الشرائية. وعلى الرغم من محاولات اللبنانيين التأقلم مع أصعب أزمة مرت في التاريخ الحديث، لكن ثقافة الفرح والاحتفال بدأت تختفي تدريجياً حتى باتت المناسبات العامة تشكل مصدر قلق للعائلات.
خلال هذه السنوات تبدلت الكثير من عادات اللبنانيين، وهو ما يظهر من خلال هذه المؤشرات:
غيبت الأزمة الاقتصادية الأضاحي كعادة من عادات اللبنانيين في عيد الأضحى، خصوصاً وأن الأسعار لا تتناسب مع مدخول الأغلبية العظمى من المواطنين، أو حتى مع اولئك الذين كانوا ينتمون سابقاً إلى الطبقة المتوسطة. لم يتم تحديد سعر الأضاحي بشكل علني وواضح، ويلتزم كل بائع بفرض تسعيرة خاصة به. خلال جولة في الأسواق، تبين بأن سعر الحمل المحلي الذي يزن ما بين 50 و60 كيلوغراماً يصل سعره إلى ما يقارب 300 دولار، أي نحو 27 مليون و900 ألف ليرة وهو ما يعادل راتب موظف لشهر كامل. أما بالنسبة لأسعار الخرفان، فتبدأ الأسعار من 250 دولاراً وترتفع إلى نحو 280 دولاراً، أي ما يقارب 26 مليون ليرة تقريباً، في حين أن راتب الموظف في القطاع العام يصل إلى 14 مليون ليرة. يقول محمد قاسم صاحب ملحمة في منطقة الضاحية الجنوبية “انخفض الطلب على الأضاحي بمعدل كبير، في العام 2019، كانت الملحمة تلبي ما لايقل عن 25 طلباً لذبح الخرفان وتقطيعها وتوزيعها، انخفض الطلب إلى 5 أو 6 ذبائح، فيما هذا العام لم نتلق أي طلب”.
وفق قاسم من المستحيل بالنسبة للعديد من العائلات الحفاظ على هذه العادة في ظل عدم قدرة الأغلبية العظمى من المواطنين شراء كيلوغرام واحد من اللحم، بعدما بات سعره يتخطى حاجز مليون ليرة.
وتعد “العيدية” رمزاً أساسياً تترافق مع الأعياد، وينتظر الأطفال هذه الفترة من السنة لشراء الألعاب أو الحلويات. قبل العام 2019، تراوحت العيدية، وحسب مقدرة الأهل، مابين 10000 ليرة و25 ألف ليرة للفئات العمرية الصغيرة أي ما بين 3 دولارات بحدها الأدنى و18 دولاراً بحدها الأقصى. وكانت ترتفع للفئات المراهقة لتبدأ من 50 ألفاً وتصل إلى 150 ألف ليرة، أي مابين 35 دولاراً وصولاً إلى 100 دولار. انخفضت قيمة العيدية مع تردي الأوضاع. تقول فريدة الحاج، أم لأربعة أولاد، “تتراوح العيدية مابين 100 و200 ألف ليرة في أفضل الأحوال”، أي ما بين دولار ودولارين، ورغم أن المبلغ يبدو بسيطاً، لكنه يثقل كاهل العائلات. في حين استغنى عدد كبير من المواطنين عن فكرة العيدية، ويفضلون بدلاً من ذلك شراء نوع من الحلويات أو طبق رئيسي يحتفلون به.
بعد إقفال عدد كبير من العلامات التجارية أبوابها في لبنان بسبب الأزمة، بات شراء الثياب معضلة بالنسبة للبنانيين، حتى الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي. ولذا، باتت الخيارات ضيقة نسبياً لدى المواطنين. وهو ما جعل بعض التجار وتحديداً الذين يستوردون الثياب من تركيا على سبيل المثال يتحكمون بالأسعار. تقول وداد مرعبي، أم لطفلين، “في السنوات الماضية، اعتدت شراء ثلاث قطع لكل ولد بمناسبة العيد، في حين اليوم من الصعب جداً شراء قطعة واحدة”. حسب مرعبي، تبدأ أسعار القطعة من بنطلون وقميص لطفل يبلغ ست سنوات، من مليوني ليرة وتصل لأكثر من 10 ملايين ليرة، في حين راتبي لا يتعدى حاجز 20 مليون ليرة”.
من المتعارف عليه، بأن مائدة العيد غنية جداً. كانت معظم العائلات تجتمع مع بعضها في أول يوم للعيد، لتناول الفطور والغذاء سوياً. تتصدر اللحوم القائمة الرئيسية على المائدة، حين كان سعر الكيلوغرام لا يتعدى 35 ألف ليرة. منذ عامين، استغنت العديد من العائلات عن شراء اللحوم، واستبدلتها بالدجاج، في حين أن عائلات أخرى، وتحديداً الذين لا يزالون يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية من موظفي القطاع العام، أو أصحاب المهن البسيطة لا يستطيعون شراء كيلوغرام من اللحم، بعدما بلغ متوسط سعره مليوناً إلى مليون و250 ألف ليرة. في حين شراء الدجاج يبدأ من 250 ألفاً إلى 500 ألف ليرة، أي ما بين دولارين إلى 5 دولارات تقريباً، ويمكن شراء 4 كيلوغرام من الدجاج بسعر مليون ليرة، بدلاً من شراء كيلوغرام من اللحم.
يبلغ متوسط سعر حبة المعمول التمر دولاراً تقريباً، في حين أن سعر حبة المعمول الفستق أو الجوز قد تتخطى دولاراً و20 سنتاً. بحسبة بسيطة، يبدأ سعر دزينة المعمول من 12 دولاراً وترتفع إلى 17 دولاراً، في حين أن سعر الكيلوغرام من المعمول ذات الحبة الصغيرة، يتراوح ما بين 10 دولارات (أي مليون ليرة) ويرتفع إلى 20 و25 دولاراً.
استغنت العديد من العائلات عن شراء الحلويات، في حين حاولت عائلات أخرى استبدال فكرة شراء الحلويات بتحضيرها منزلياً. في العديد من القرى اللبنانية، اجتمعت النساء للمشاركة في تكاليف تحضير كعك العيد والمعمول وتقاسمه فيما بينهن.
تعد دور السينما، ومدن الملاهي من أكثر المناطق استقطاباً للزوار خلال عيد الأضحى. ومن النادر إيجاد مقعد فارغ أو مكان من دون حجز مسبق، كما هو الحال مع المقاهي والمطاعم، لكن ضعف القدرة الشرائية وفرض التسعيرة بالدولار الأميركي، حرمت العائلات من متعة الخروج خلال العيد. حسب مرعبي، من الصعب جداً على العائلة أن تخرج لحضور فيلم سينمائي، لأن ثمن التذكرة يتراوح مابين 300 و350 ألفاً، أي أن عائلة من أربعة أفراد، تحتاج ما لا يقل عن مليون و400 ألف ليرة.
المدن
