يضرب نواب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أخماساً بأسداس هذه الأيام، في تحضير صعب ومعقّد لليوم التالي لخروج سلامة من الحاكمية. فجميع الملفات ملتهبة، ولا سيما قضية خسائر الودائع التي تسبب بها مصرف لبنان والمصارف وفساد المنظومة، لكن هذه القضية مؤجلة الحلّ في انتظار المجلس النيابي والاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي حول توزيع الخسائر وهيكلة المصارف. القضية الأكثر إلحاحاً اليوم هي منصة صيرفة: هل تستمر، أم تتوقف، أم تستمر إلى حين ثم تتوقف؟
مصادر نواب الحاكم لا تعرف الجواب النهائي بعد، لأنه مرتبط بمدة الفراغ الرئاسي، ثم تشكيل حكومة يقع على عاتقها تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان. ويبدو، بحسب تلك المصادر، أنّ «المسألة ستستغرق أشهراً طويلة، وربما طويلة جداً. في الأثناء، تتضارب الآراء، علماً أنّ نواب الحاكم منقسمون بين متحفظٍ ورافضٍ لمنصة صيرفة حتى تاريخه، وما من أحد منهم يؤيدها صراحة». وتقول المصادر عينها: «أما وقد وصلت كرة النار الى حضنهم، فهل يصدقون مع أنفسهم ويوقفون منصة صيرفة، أم يرضخون لضغوط سياسية، ولا سيما من رئيسي مجلس النواب والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي للحفاظ على «الستاتيكو» القائم مع شيوع وهم الاستقرار النقدي مجدداً، رغم أن هناك كلفة للاستقرار المزعوم؟».
بين السيناريوات المطروحة، وفقاً لمصادر «نداء الوطن»، أن نائباً من نواب الحاكم ينكبّ الآن على إجراء مناورات رقمية، او محاكاة لسيناريو التخلي عن المنصة، وما اذا كان ذلك ممكناً من دون انفلات كبير لسعر الصرف. وتلك المحاكاة تأخذ في الاعتبار الكتلة النقدية بالليرة، وحاجة السوق اليومية الى الدولارات، ونسبة الدولرة في الاقتصاد… لكن عامل المضاربة الممكنة قد لا يدخل في الحسبان كاملاً وبدقة، كما حصل في بداية آذار الماضي عندما وصل سعر صرف الدولار في السوق الموازية الى 143 ألف ليرة، ثم عاد للهبوط باتفاق ضمني بين سلامة وكبار المضاربين. ويأتي هذا الجهد في التمحيص والتفتيش عن مخرج لأن نواب الحاكم مقتنعون بأنّ الأرباح الكبيرة من صيرفة تذهب الى المصارف والمصرفيين وكبار المتمولين، ولا يحصل الموظفون وصغار المودعين الا على الفتات. أما الخسائر التي تتكبدها صيرفة جراء شراء الدولار بسعر وبيعه بأقل منه فتسجّل في ميزانية مصرف لبنان، وبالتالي ترتد سلبياً على الاحتياط وما تبقى من دولارات المودعين. ونواب الحاكم يوافقون على آراء خبراء صندوق النقد والبنك الدولي الرامية الى إيقاف صيرفة بصيغتها الحالية، والعمل على توحيد أسعار الصرف في مرحلة أولى تمهيداً لترك سعر الصرف مرناً لاحقاً».
أما ما يشاع عن أنّ سلامة سيكون مستشاراً لنوابه بعد خروجه فيهزأ سلامة من مجرد طرحه، لكن المصادر المطلعة جداً لا تستبعد أبداً ان يبقى سلامة مستشاراً للمنظمومة الحاكمة حالياً، ولا سيما ميقاتي وبري، وذلك في جملة قضايا عالقة تشمل صيرفة ولا تتوقف عندها فقط، في انتظار تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان ترغب المنظومة في أن يكون من «بروفايل» عفا الله عما مضى».