مع بدء العد التنازلي لانتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نهاية الشهر الجاري، يبدو السؤال عن مصير صيرفة واستمرارها من عدمه هو الأكثر الحاحاً، لأسباب عدة أولها ارتباط وجودها بشبكة مصالح سياسية ومصرفية «مافيوية»، بمعنى انه منذ تأسيسها شكلت مرتعاً لتقاسم الارباح الهائلة من قبل سياسيين ونافذين وأتباعهم من التجار والصيارفة واصحاب المصارف وكبار المصرفيين، قدّمها لهم سلامة على حساب أموال المودعين لقاء تغطية ارتكاباته التي سبقت الازمة واستمرت بعد اندلاعها.
ثاني هذه الاسباب أن «صيرفة» تحولت الى «ابرة بنج» لموظفي القطاع العام وافراد المؤسسات العسكرية بعدما سمح لهم بتقاضي رواتبهم بالدولار وفقا لأسعارها، ما يعني جني بضع دولارات اضافية تصرف انظارهم عن الوضع المزري والفقر المدقع الذي أوصلتهم اليها المنظومة السياسية، والارتكابات التي تجى لجهة عدم القيام بأي اصلاح حقيقي يخرجهم من الازمة. وثالثها تحولت صيرفة الى باب «رزق» للمصارف من خلال العمولات التي تتقاضاها ما سمح لها بالاستمرار وتغطية جزء اساسي من نفقاتها التشغيلية، أما رابع هذه الاسباب فهو أن هناك اصحاب نفوذ في القطاع المصرفي يتربّحون من صيرفة من خلال تعدد الحسابات التي يملكونها في اكثر من مصرف، ويحولون عبرها الليرة الى دولار وليس هناك ضوابط لهذا الاستغلال البشع.
بناء على كل ما تقدم هناك سيناريوان حول مصير»صيرفة» بعد نهاية ولاية سلامة، الاول يعتبر أن «لا شيء سيتغير كون سلامة سيبقى «حاكم ظل» وستستمر المنصة في ادائها المعتاد الى ان تحصل التسوية الكاملة (رئاسة الجمهورية/ تشكيل حكومة/ تعيين حاكم جديد). وهناك سيناريو آخر يعتبر أن مصير»صيرفة» معلّق بمدى قدرة نائب الحاكم الاول الدكتور وسيم منصوري (الذي يفترض ان يستلم مهام سلامة بعد انتهاء ولايته) على تأمين اجماع داخل المجلس المركزي لمصرف لبنان حول استمرارها، خصوصا أنهم (وعلى رأسهم منصوري) من غير المتحمسين لوجودها منذ تأسيسها .
مرحلة مجهولة المعالم
يتبى الخبير الاقتصادي والمصرفي صلاح عسيران سيناريو إيقاف صيرفة، ويشرح لـ»نداء الوطن» أن «آخر تموز هو تاريخ مهم في مصرف لبنان، لأن نواب الحاكم الثاني والثالث والرابع معارضون بشدة لاستمرار صيرفة وغير مستعدين لتغطيتها، وهذا أمر يجب التوقف عنده لأن الدكتور وسام منصوري (في حال تسلم مهام الحاكم) يعلنها صراحة أنه لن يسير بأي قرار الا اذا تم التوقيع عليه من قبل جميع نواب الحاكم، ولذلك يمكن القول أنه من المتعذر استمرار صيرفة في حال توليه الحاكمية، وأصر على ربط متابعة عملها بموافقة باقي نواب الحاكم».
يضيف: «هناك تبدل في المزاج السياسي لجهة تولي منصوري مهام الحاكمية في حال لم تؤمن له الظروف المحيطة من تغطية سياسية محلية ودولية، ويبدو ان هذه التغطية مشكوك بأمر تأمينها محلياً ودولياً وبشكل جدي، والبلد امام مأزق ايجاد حل لموقع حاكمية المركزي في غياب انتخاب رئيس جديد للجمهورية»، معتبراً أنه «في حال لم يتأمن توافق داخلي، نحن ذاهبون الى مرحلة مجهولة المعالم من ناحية الممارسة النقدية في البلد. حاليا يدخل دولار (فريش) ولكن هناك تعمية للسعر الحقيقي للدولار، وما نراه اليوم من ارتفاع في قيمة الليرة مقابل الدولار هو وهمي ولا يعكس الوضع الاقتصادي في البلد…».
ويشير عسيران الى أن «هناك بعض المصارف تعتاش من عمليات صيرفة ومن الرسوم التي تتقاضاها من الخدمات المصرفية وبالتالي هذه المصارف ستتأثر في حال توقف صيرفة. ولكن هناك مصارف أخرى استعادت جزءاً من توازنها المرحلي والعملياتي مع صيرفة وبدونها لأنها تملك اصولاً خارج لبنان، ولهذا لن تتأثر كثيراً في حال توقف صيرفة»، مشدداً على أنه «في غياب قانون اعادة هيكلة المصارف عبثاً نحاول وما نقوم به هو شراء للوقت، خصوصاً ان استمرار صيرفة هو على حساب ما تبقى من الاحتياطي الالزامي وهنا خطورة عدم القيام بالاصلاحات التي يطلبها صندوق النقد».
سلامة باقٍ كمستشار!
يتبنى المستشار المالي ميشال قزح السيناريو الاول ويقول لـ»نداء الوطن»: «بحسب معلوماتي أن سلامة باق كمستشار لمصرف لبنان، واذا تم هذا الامر فيكون نائب الحاكم الاول في مركز صوري ولا يمارس صلاحياته كما يجب، ويبقى سلامة على طريقته في ادارة منصة صيرفة الى ان يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة وتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وبرأيي صلاحيات سلامة ستبقى كما هي ولا شيء سيتغير».
يضيف قزح :»استبعد ايقاف عمل صيرفة، واذا اوقفت ولم يعد هناك من «سند لليرة» اللبنانية، فهذا يعني أننا سنشهد فلتاناً في سعر الدولار في السوق السوداء وقد يصل السعر الى ما فوق 150 الفاً للدولار الواحد. اما لجهة استمرارية المصارف من دون ارباح صيرفة، فهي تجني الارباح ليس فقط من المنصة بل ايضاً من الرسوم المرتفعة التي تتقاضاها على الحسابات، ومن الودائع الموجودة لديها في مصرف لبنان والفوائد التي تتقاضاها عليها، كما تؤمن استمراريتها من الحسابات (الفريش) التي تجتذبها. فهناك مليون ونصف مليون حساب للدولار تتقاضى المصارف على كل منها 5 دولارات شهرياً بالحد الادنى، وايضاً الرسوم على سحب الكاش والايداع والحوالات».
يلفت قزح الى أن «ارباح المصارف تضاءلت كثيراً بعد الازمة ولذلك تعمد الى اقفال فروع وصرف موظفين، وستستمر هذه الموجة الى ان يتم اقرار قانون اعادة هيكلة المصارف، وهذا لن يتم قبل سنة على الاقل. لكن لا تغيير في صيرفة ودورها الا بعد اكتمال المشهد السياسي والنقدي، اي انتخاب رئيس جديد قبل نهاية العام الحالي، وهذا ما يوحيه المشهد الاقليمي. من ذلك يتم تشكيل حكومة وتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، لأن موضوع الحاكمية هو موضوع دقيق ولا يمكن تركه من دون ضوابط، وهناك توجه لأن يبقى سلامة حتى يتسلم الحاكم الجديد، تحت ذريعة ان لديه الخبرة في ادارة الاسواق والعمل المصرفي في المركزي». ويختم: «اعادة هيكلة المصارف والمركزي والوضع السياسي في لبنان في سلة واحدة والحل سيكون متكاملاً، لأن هناك ترابطاً كبيراً بين السياسيين والمصارف وحاكمية مصرف لبنان ، وهذا الامر موجود منذ عقود».
باسمة عطوي – نداء الوطن