يُفترض أن يتوقف عمل أي مؤسسة رسميّة على شخصية، مهما بلغ حجم مسؤولياتها او دورها او أدائها، كما هي الحال الآن في مصرف لبنان المركزي. يتحضّر حاكم المصرف رياض سلامة لمغادرة موقعه، والتقاعد بعد عقود امضاها في منصبه. لكن ماذا بعد ان يغادر ليتوجّه الى منزله؟ بغض النظر عن الملفات القضائية في لبنان او فرنسا او غيرها، فإن هناك ازمة مصرفية جديدة تطل برأسها على البلد.
كان المفروض تعيين حاكم جديد يستلم زمام الحاكمية، لكن الخلافات السياسية اللبنانية أنتجت شغوراً في موقع رئاسة الجمهورية، مما ادى الى تراكم الخلافات بشأن صلاحيات وعمل واجتماعات حكومة تصريف الاعمال حالياً. وفي حال ارادت الحكومة ان تعيّن حاكماً جديداً للمصرف المركزي ستصطدم بعدة مطبّات:
اولاً، تشن قوى سياسية مسيحية حملة على رئاسة الحكومة، وتعتبر جلسات مجلس الوزراء غير دستوريّة، مما يعيق مشروع تعيين حاكم جديد. علماً ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي يفضّل الا يعيّن حاكماً جديداً، مُستنداً الى مقاربة عمل المؤسسات، اي وجود نائب حاكم يستلم مهام الحاكم بعد تقاعده.
ثانياً، لا تتفق القوى السياسية، ومن بينها القوى المارونية، على اسم حاكم جديد.
ثالثاً، تربط قوى سياسية تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي بوجود رئيس للجمهورية، ولا يبدو ان انتخاب رئيس وارد حالياً نتيجة التعثّر السياسي اللبناني، وانتظار المسار الخارجي الطويل.
فما هو الحل؟.
يقضي قانون النقد والتسليف ان يستلم النائب الاول لحاكم المصرف، اي وسيم منصوري، مهام الحاكم بعد تقاعده. لكن المعلومات تتحدّث عن معوقات لا تسهّل استلام منصوري لادارة المركزي:
اذا كان نائب الحاكم الآتي من زيارة ناجحة للولايات المتحدة الاميركية، حيث تشجّع واشنطن على استلامه مهام الحاكم في غياب تعيين آخر جديد، فإنّ منصوري يشترط وجود “عدّة شغل”. فماذا لو تعرض الى حملة طائفية، تحت عنوان ان المنصب هو من حصّة الموارنة؟ وماذا اذا تقصّد صيارفة زيادة المضاربة في صرف العملة اللبنانيّة مقابل الدولار، من دون وجود ضوابط تنفيذيّة بيد نائب الحاكم؟ وماذا اذا لم يسلّم سلامة اسرار العمل الى نائبه الاول؟ وماذا ايضاً اذا لم يتعاون جميع اركان المصرف مع توجهات منصوري الادارية، نتيجة تأثير الحملات السياسية والطائفية في البلد؟.
الاهم ان منصوري يحتاج الى قوانين تدعم خطته ومسار عمله المصرفي، وهي مسائل اساسية مفقودة، لكن وجودها يضمن حُسن سير العمل في مصرف لبنان المركزي.
كل ذلك، يطرح سيناريوهات، اخطرها: عدم تعيين حاكم اصيل، وعدم قبول النائب الاول بإستلام مهام انتحارية، علماً ان اداء منصوري شفّاف يشهد له الخبراء والعواصم المطّلعة على عمل المصرف المركزي.
لذا، فإن اسابيع شهر تموز الحالي مفصلية في تحديد مسار الوضع المصرفي، ليكون البلد امام احتمالات:
اولا، تعيين حاكم جديد، وهو امر لا يزال مستبعداً.
ثانياً، استلام نائب الحاكم وسيم منصوري مهام الحاكم، وهو امر مشروط بإجراءات يطالب بها منصوري لضمان نجاح عمله.
ثالثاً، التمديد الاضطراري لحاكم المصرف رياض سلامة، وهو طرح غير مُستبعد، لغاية انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين حاكم جديد.
رابعاً، دخول البلد في ازمة مصرفيّة تؤدّي الى مزيد من هلاك الليرة اللبنانية امام الدولار في سعر غير محدود السقف.
بالإنتظار، لا مصلحة لأي فريق حكومي او سياسي، موالٍ او معارض، بأن يُترك المصرف المركزي من دون أفق. ولهذا السبب، فإن الايام الاخيرة من الشهر الجاري قد تحمل حلول اللحظة الاخيرة.
النشرة