“القوات” على موقفها السلبي.. ما هي “شروطها” للمشاركة في الحوار؟!
ليس خافيًا على أحد أنّ “الثنائي المسيحي”، ممثَّلاً بـ”التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، هو الذي “أجهض” في وقت سابق مبادرتي رئيس مجلس النواب نبيه بري بالدعوة إلى حوار، في ظلّ “الاستعصاء” الذي يصطدم به الاستحقاق الرئاسي، بعدما وظّف الأول الأمر في خانة “النكايات الشخصية” مع بري، فيما أصرّ الثاني على أنّ “الوقت وقت انتخابات وليس وقت حوار”، ما أطال أمد الأزمة أكثر وأكثر.
لكن، ليس خافيًا على أحد أيضًا، أنّ “التيار الوطني الحر” يبدي في المرحلة الأخيرة مرونة وليونة أكبر في التعامل مع الحوار، سواء كان داخليًا أو خارجيًا، وبمعزل عن هوية “عرّابه”، حيث يؤكد المحسوبون عليه أنّ الحوار “ضرورة”، بل يدعون إليه، وإن كانوا يشترطون للجلوس على الطاولة سحب الفريق الآخر لترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وهو ما يعتبره الفريق الآخر “شرطًا غير منطقي ولا واقعي”.
في المقابل، يبدو أنّ “القوات اللبنانية” لا تزال على موقفها من الحوار، بمعزل أيضًا عن الداعي إليه، وحتى لو كانت “الأم الحنون” فرنسا بذاتها، وفق ما يؤكد المحسوبون عليها، وقد فنّدت موقفها ببيان لتكتل “الجمهورية القوية” خلص إلى أن “الحوار الذي تُريده الممانعة، لا يهدف إلّا إلى الانقلاب على الطائف ونسف الدستور اللبناني”، فهل يعني ذلك أنّ “القوات” ترفض الحوار بالمطلق؟ وما هي شروطها للمشاركة به في نهاية المطاف؟!
هواجس “القوات” ومخاوفها
في البيان الذي أصدره بعد اجتماعه الدوري برئاسة حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، قدّم تكتل “الجمهورية القوية” مقاربته الخاصة لموضوع الحوار، متحدّثًا عن “عملية غش موصوفة” على خطّه، باعتبار أنّ الحوار بين اللبنانيين حول الملفات الكبرى، تمّ في مدينة الطائف، ليخلص إلى أنّ أي دعوة إلى الحوار حول هذه الملفات، واستطرادًا أي تلبية لها، تشكّل “فعل تنصّل علني من وثيقة الوفاق الوطني” التي أقرّها اتفاق الطائف.
لعلّ هذا بالتحديد هو “بيت قصيد” الخوف “القواتي” من الحوار الذي يكثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة، وفق ما يقول المحسوبون على الحزب، الذين لا يستبعدون وجود محاولات “غير بريئة” للتسلّل من حوار عنوانه الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، من أجل إعادة النظر بالنظام والتركيبة ككلّ، علمًا أنّ هذا المشروع كان “حزب الله” أول من أعلن عنه، يوم طرح “المؤتمر التأسيسي”، قبل أن يتراجع تحت الضغط، من دون أن يلغي الفكرة.
ومع أنّ “حزب الله” يحصر مبدأ الحوار في هذه الفترة بمسألة الانتخابات الرئاسية، ويريد منه “إقناع” الطرف الآخر بمرشحه سليمان فرنجية، إلا أنّ المحسوبين على “القوات” مقتنعون بأنّه “يضمر غير ما يقول”، ولا سيما أنّ القاصي والداني يدرك أنّ الحزب “يستحبّ” تغيير النظام، إن جاز التعبير، علمًا أنّ تسريبات عدّة تتحدّث عن وجود “نوايا” للبحث بالتركيبة ككلّ، لا يُستبعَد أنّ يتمّ “جرّ” الفرنسيّين إليها، بحسب ما يُنقَل عن المطّلعين على حراكهم عن كثب.
أي حوار تريد “القوات”؟
ومع أنّ “القوات” تقول إنّها لا ترفض الحوار “كمبدأ”، وفق ما جاء أيضًا في البيان الأخير لتكتل “الجمهورية القوية”، إلا أنّها بحسب ما يقول العارفون، لا تزال على رفضها له وفق الصيغة المعروفة لطاولات الحوار المتعاقبة، حتى لو كان محصورًا بقضايا معيّنة أو أزمات محدّدة، كانتخابات الرئاسة، وهو ما يتجلى في قولها إنّها “تلجأ إليه دائمًا من خلال المباحثات الجانبية وضمن الأطر المؤسساتية الدستورية”.
وفي هذا السياق، يقول المحسوبون على “القوات” إنّ الحوار “المثالي” الذي تريده “القوات” هو ذلك الذي يعقد تحت قبّة البرلمان، وفي إطار جلسات مفتوحة ومتتالية لانتخاب الرئيس، فمتى تعذّر الانتخاب، يمكن الذهاب إلى مشاورات “جانبيّة” من أجل التوصّل إلى اتفاق، وبذلك يكون الحوار فعلاً محصورًا بمسألة الانتخاب، وضمن الأطر المؤسساتية الدستورية، وليس خارج البرلمان كما يريده البعض “لغاية في نفس يعقوب”.
لكن، طالما أنّ هذه الفكرة مرفوضة، أو بالحدّ الأدنى غير ممكنة، طالما أنّ “تعذّر” الانتخاب يؤدي تلقائيًا إلى “تطيير النصاب”، وهو الأمر الذي لوّحت به “القوات اللبنانية” نفسها، في حال شعرت أنّ “حظوظ” فرنجية هي الأعلى، فإنّ المحسوبين على “القوات” لا يعطون إجابة “حاسمة” حول احتمال الجلوس على الطاولة، إذا ما جاءت الدعوة من الخارج، وربما من “الخماسية” الدولية، ولو أنّها تميل إلى الرفض أيضًا وأيضًا.
باختصار، تقول “القوات” إنّها لا ترفض الحوار كمبدأ، ولكنّها تعترض على “صيغته” خارج أطر المؤسسات الدستورية، كما تتوجّس من “النوايا المبطنة” خلفه، والتي تتكرّر بين الفينة والأخرى، وكأنّ هناك من ينتظر “لحظة ما” للانقضاض على النظام. لعلّ موقفها يثير الجدل مرّة أخرى، فهل يقبل سائر الأفرقاء بـ”شروطها” للتحاور، وهل من حوار يُعقَد من دونها، أم أنّ الحل يكون بحوارات ثنائية ترتفع أسهمها هذه الفترة؟
لبنان 24