تمديد الحاكم ونوابه الأربعة على “نار حامية”!
من الموجود جود, ويبدو أنها كلمة السر للخلاف السياسي المقبل المتعلق بمنصب حاكمية مصرف لبنان والأسباب والمعطيات كثيرة.
فبعد بيان النواب الأربعة النادر لحاكم مصرف لبنان، والذي قالوا فيه أنه “لا يجوز أن ينسحب مفهوم تصريف الأعمال إلى السلطة النقدية الأعلى في الدولة”، مطالبين بشدة بضرورة تعيين حاكم جديد عملا بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت، وملوحين بإجراء توقع أغلب المراقبين أنه قد يكون الاستقالة.
ولكن, اسئلة كثيرة تطرح, فهل قرار استقالة نواب الحاكم أتت من تلقاء أنفسهم؟ وهل تجوز الاستقالة في ظل حاجة البلد لملء الفراغ الذي قد يقع في أواخر تموز؟ والسؤال الأهم ماذا يترتب على هذا الاجراء؟
المعلوم لدى الجميع أن قضية منصب حاكمية مصرف لبنان من أهم القضايا السياسية في البلاد، والتي أرجأت النقاش حول الفراغ الرئاسي في الفترة الحالية نظرا لاقتراب موعد انتهاء الولاية.
ومن المتوقع أيضا أن نزاعا كبيرا قد ينشب حولها لناحية شخصية الحاكم الجديد، على اعتبار ان الحاكم الحالي رياض سلامة الذي كانت مرجعيته الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن بعد استشهاده أصبح يرجع في كل اموره لرئيس مجلس النواب نبيه بري, يعاني مشاكل جمة وهو ملاحق في عدة قضايا في الداخل وفي أوروبا، وقد طفت قضيته على السطح أكثر بعد تاريخ 17 تشرين، وأصبح تنحيه مطلبا شعبيا.
وفي هذه القضية أيضا تعاني البلاد من انقسام حاد بين من يرفض التمديد كحزب الله والتيار الوطني الحر، وهي نقطة اتفاق نادرة بينهما حاليا، وبين من يريده كالرئيس ميقاتي والرئيس بري الذي كان يؤيد التمديد لرياض سلامة بداية ثم انتقل الى فكرة تعيين حاكم جديد وبعد تعذر التعيين والتمديد، وافق اخيرا مكرها على قبول تسليم الحاكمية للنائب الاول وسيم المنصوري، طبقا للقاعدة التي سرت على منصب المدير العام للأمن العام.
وبالرغم من أن المادة 25 من قانون النقد والتسليف تقر بأن الحاكمية تنتقل الى النائب الاول اذا لم يتم تعيين حاكم جديد، يظهر تردد المنصوري بشكل جلي، خصوصا أنه يواجه عدة عقبات أبرزها, الرفض من كثير من الجهات المسيحية التي لا ترغب ان ترى هيمنة شيعية على مراكز القرار المالي في البلاد وهناك عقبة أخرى وهي الأهم، والمتمثلة بعودة المنصوري من أميركا بعد زيارته الأخيرة اليها بحالة احباط.
أسباب الإحباط تعود الى ما دار بينه وبين الاميركيين والذي كان غريبا جدا، حيث طرحت عليه خلال الجلسات اسئلة محرجة جدا، من قبيل كيف سيتعامل مع صيرفة، ما هي خططه فيما خص بارتفاع سعر صرف الدولار الذي قد يصل الى 200 الف ليرة لبنانية، ما هي تحضيراته لمزيد من التردي الاقتصادي، وأخيرا وليس آخرا ماذا سيكون موقفه فيما لو فرضت عقوبات على شخصيات من حركة أمل وخصوصا على الرئيس بري وعائلته، وهو السؤال الذي شكل صاعقة بالنسبة للمنصوري، وفور عودته أبلغ الرئيس بري بتفاصيل ما جرى.
أمر دفع برئيس مجلس النواب، وبعد يومين من عودة المنصوري، الى أن يذهب للاعلان عن تأييد ما يسمى بتعيين الضرورة على غرار تشريع الضرورة، وهو ما لم يقبل به حزب الله، ويعد هذا الاجراء احدى النقاط الخلافية النادرة بين حزب الله وحركة امل.
وكرأي الحزب، يرفض التيار الوطني الحر تعيينات الضرورة وهو الذي كان قد اقترح فيما سبق خيار الحارس القضائي ليقوم مقام الفراغ في منصب الحاكم، وتلاقي الحزب والتيار في هذه النقطة جعلها واحدة من نقاط الاتفاق النادرة بين الحزب والتيار ، بعيد التوتر الكبير في العلاقة على خلفية ترشيح سليمان فرنجية.
وبالتالي، حزب الله لن يشارك في الجلسة، والتيار الوطني الحر لن يشارك ايضا، وهما فريقان رئيسيان وغيابهما كفيل بتعطيل أي قرار، فما الذي تبقى امام رئيس المجلس في ظل ضيق الوقت، لإنقاذ سلامة بوصفه حاكم مخزن الاسرار، وفي يده مفاتيح المعبد.
الاجابة على هذا السؤال تكمن في اللقاء الذي عقد بين الرئيسين بري وميقاتي، لمناقشة ازمة الحاكمية، والذي لم يتوصل خلاله الرئيسان الى صيغة حل وتركا الامر لمزيد من النقاش.
ولكن بما أن التمديد غير ممكن والتعيين متعذر وغير متاح، لذا كان لا بد من سيناريو آخر في ظل استبعاد طرح الرئيس عون للحارس القضائي، وفي ظل استبعاد أي طرح آخر خلاف التمديد.
ومعلومات “ليبانون ديبايت”، تفيد بأن السيناريو الأكثر ترجيحا، هو احداث اختراق قانوني، يقوم اولا على استقالة النواب الأربعة، ما يفرض غياب وجود اي مرجعية قانونية في المصرف المركزي، وعندما تحين نهاية ولاية الحاكم اواخر الشهر الحالي يصدر وزير المالية يوسف خليل بصفته وزير وصاية قرارا بابقاء الحاكم ونوابه الاربعة، في مراكزهم الى حين تعيين حاكم جديد، اي عمليا الى ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
اذا لا يمكن فصل هذا السيناريو عن خطوة النواب الأربعة، الذين من المتوقع أن يعلنوا عنها يوم الأربعاء المقبل بالاتفاق مع المرجعيات السياسية الداعمة لهم، لتبدأ بعدها الخطوات العملية الكفيلة بتحقيق الهدف، وهو بقاء سلامة كحاكم في مركزه والمتواصل منذ عام 1993.
وكل ما يسمع الآن ما هو الا اطلاق رصاص عشوائي لتمرير صفقة التمديد للحاكم ونوابه الاربعة، الذين سيقدمون استقالاتهم تحت عنوان “نبقى معا أو نرحل معا”.
ترجح المعلومات المتقاطعة من اكثر من مصدر سياسي ومالي هذا السيناريو رغما عن ارادة حزب الله، ورغما عن ارادة المسيحيين الرافضين للتمديد، ويعتقد كثير من المراقبين ان هذا الامر يتم بالتنسيق مع الاميركيين، الذين يولون أهمية بالغة لمنصب حاكم المصرف المركزي تفوق اهتمامهم بمنصب رئاسة الجمهورية.
اذا، فالأيام القليلة القادمة حتى انتهاء فترة ولاية سلامة، تنذر بمأزق جديد ستتمخض عنه جملة من التعقيدات السياسية التي من شأنها أن ترفع منسوب التوتر بين التيارات المختلفة وتزيد من تعقيد المشهد الرئاسي.
ليبانون ديبايت