اقتصاد

ما هو سرّ انخفاض سعر الصرف واستقراره في الأشهر الأخيرة؟

في كانون الثاني 2023 بدأ سعر الصرف على منصة صيرفة يتراوح عند حدود الـ38 ألف مقابل الدولار ليرتفع في شباط الى 44000 ويتم تحديده في أوائل أيار عند 70 ألف ليرة فـ90 ألف ليرة في نيسان، ليعود ويتراجع الى 86400 في أيار، ويستقرّ على 86200 ليرة طوال شهر حزيران الذي بلغ حجم التداول فيه على منصة صيرفة نحو 3 مليارات دولار. ولا يزال سعر صرف صيرفة يشهد تراجعاً شهرياً منذ أيار، حيث استقرّ منذ بداية تموز الحالي عند 85500 ليرة بحجم تداول بلغ في الأسبوع الأول 750 مليون دولار.

يعكس سعر صرف صيرفة التراجع والاستقرار في سعر الصرف في السوق الموازية، الذي انخفض بدوره من مستويات قياسية بلغها في آذار عند حدود 143 ألف ليرة للدولار الواحد، نزولاً الى 91 ألف ليرة حالياً، علماً أنه يشهد استقراراً نسبياً منذ 3 أشهر تحت سقف الـ100 ألف ليرة.

ما السّرّ؟

فما هو سرّ انخفاض سعر الصرف واستقراره في الأشهر الأخيرة؟ وما هي الأدوات النقدية المستخدمة للحفاظ على هذا الاستقرار؟

السرّ هو صيرفة، وفقاً لما أكّدته مصادر مصرفية مقرّبة من الحاكم، مشددة على أن العامل الرئيس وراء الاستقرار في سعر الصرف هو منصة صيرفة أوّلاً والتدخّل المنتظم في السوق عبرها، على عكس الفترات السابقة التي لم تشهد انتظاماً في تدخّل مصرف لبنان في السوق لا بالوتيرة اليومية ولا بالأحجام الحالية. وأوضحت المصادر أن العامل الثاني ولكن ليس الأساسي وراء الاستقرار في سعر الصرف، هو تدفّق الدولارات الى البلاد، إن من التحويلات المالية الرسمية البالغة 6.8 مليارات دولار والتي تصل الى 10 مليارات دولار أو أكثر عند احتساب التدفّقات الواردة من خارج النظام المصرفي الرسمي، بالإضافة الى الإنفاق السياحي خلال موسم الصيف الحالي والذي يدرّ أيضاً الدولارات في السوق.

حيلة يمتهنها سلامة
لكنّ المصادر أكّدت أن الإنفاق السياحي ليس كافياً وحده لضبط سعر الصرف في السوق والحفاظ على استقراره من دون التدخل عبر صيرفة بالشكل الحالي. موضحة أن «الحيلة» التي يمتهنها رياض سلامة والتي يعتمدها من خلال صيرفة، وهي تسخير الصيارفة لـ»لمّ» الدولارات له من السوق، هي التي توفر له السيولة النقدية المستخدمة يومياً عبر صيرفة، علماً أن الكتلة النقدية في السوق هي نفسها التي تنتقل من الصيارفة الى مصرف لبنان الذي يعيد ضخّها بالسوق ليعود الصيارفة ويجمعونها له مجدداً. وهو يشتري بسعر ويبيع بأقل منه ويكبّد ميزانية مصرف لبنان خسائر إضافية.

وأكدت المصادر أن هذه «الحيلة» التي يمارسها مصرف لبنان والتي يعترض عليها نوّاب الحاكم الحاليون هي التي نجحت رغم خسائرها في ضبط سعر الصرف في السوق، معتبراً أن الاعتراض على صيرفة من قبلهم وسعيهم لوقفها واستبدالها بمنصة تداول خاصة بالمصارف لعرض وطلب الدولارات «هي بمثابة مغامرة سيفجّرها بوجههم المضاربون «، كما أن أحداً من المصارف لن يلجأ الى عرض الدولارات التي سيحصل عليها بل سيحتفظ بها لنفسه، ما سيؤدي حتماً الى فلتان في سعر الصرف في السوق. مع العلم أن إنشاء منصة تداول خاصة بالمصارف هي مبادرة تتماشى مع مطالب صندوق النقد الدولي لتوحيد سعر الصرف، إلا أنه وفي ظلّ عدم الاستقرار السياسي الحالي هناك مشكلة لا محالة.

وبالتالي، إزاء تصريح الرئيس نجيب ميقاتي المعارض وقف منصة صيرفة لاعتباره أنها تعوّض الخسائر في رواتب القطاع العام، وفي ضوء اعتراض نوّاب الحاكم عليها واشتراطهم وقفها لتولّيهم مهام الحاكمية، فإن المأزق الحالي كبير ولا مخرج بالنسبة للسياسيين ومجموعات الضغط والمضاربين والمصرفيين والتجار إلا الضغط لمواصلة نوّاب الحاكم السير بالآلية المتّبعة حالياً عبر صيرفة، «من أجل عدم زعزعة مركب المصالح السائدة».

الخسارة من أموال المودعين
من جهته، أوضح نقيب الصيارفة مجد المصري لـ»نداء الوطن» أن العامل الأول لاستقرار سعر الصرف هو انتظام عمل منصة صيرفة منذ شهر نيسان بشكل مستمرّ. لافتاً الى أن مصرف لبنان يجمع الدولارات التي يضخّها عبر صيرفة، من السوق من خلال عدد من العملاء إن كان كبار الصيارفة أو شركات تحويل الأموال. وبالتالي فإن الأموال التي تخرج من مصرف لبنان تعود اليه. مشيراً الى الخسائر التي يتكبّدها مصرف لبنان نتيجة الفارق في سعر الصرف بين صيرفة والسوق السوداء والتي يسدّدها من أموال المودعين.

وأكد المصري أن الاستقرار في سعر الصرف مرهون بانتظام عمل صيرفة، كما ان التراجع في سعر الصرف الأخير من 93 الى 91 ألف ليرة مقابل الدولار، ناتج أيضاً عن أموال الإنفاق السياحي التي ساهمت في تحقيق فائض في السيولة النقدية بالدولار. ولكن السؤال الأبرز برأيه، يتعلّق باستمرارية صيرفة بحدّ ذاتها في ظلّ اعتراض نوّاب الحاكم عليها في مقابل القرار السياسي بمواصلة العمل بها. مشدّداً على أن وقف العمل بها سيؤدي حتماً في الظروف الحالية، الى ارتفاعات في سعر الصرف في السوق الموازية.

وقال المصري: نحن عالقون بين نارين، فمن الناحية الأولى، تؤمّن صيرفة استقراراً في سعر الصرف ولكن ينتج عنها خسائر إضافية من أموال المودعين، ومن الناحية الثانية فإن تعليق العمل بها سيؤدي الى فلتان في سعر الصرف ما ستنتج عنه أيضاً خسائر جسيمة في القدرة الشرائية.

طمع المصارف
ولفت المصري في هذا السياق، الى طمع المصارف والعمولات الكبيرة التي تتقاضاها لإتمام عمليات صيرفة، كاشفاً أن نسبة الـ5 في المئة التي تفرضها على عمليات صيرفة تحتسب من قيمة المبلغ الإجمالي الذي يودعه الزبون وليس من الربح الناتج عن فارق سعر الصرف، فإيداع مليار ليرة أي 10740 دولاراً عندما كان سعر الصرف 93300 ليرة بيعت على صيرفة الـ86600 بـ 11500 دولار، ونتج عن تلك العملية ربحٌ بقيمة حوالي 840 دولاراً، تقاضى المصرف 535 دولاراً كعمولة له في حين بقي للزبون حوالي 300 دولار من الأرباح.

 رنى سعرتي – نداء الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى