لم نفهم في الأساس لماذا كانت هذه القطيعة بين “حزب الله” ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. وما لم نفهمه بالأمس لا يمكن أن نفهمه اليوم، ما الذي تغيّر، أو بالأحرى ما الذي لم يتغيّر؟ فـ “الحزب” لم يبدّل موقفه من ترشيح رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، ولن يفعل. وكذلك الأمر بالنسبة إلى جلسات الضرورة، التي تعقدها الحكومة لتسيير شؤون الناس الملحة والأكثر ضرورة، والتي يشارك فيها وزيرا “الحزب” ووزيرا حركة “أمل”، خصوصًا أنهم سيشاركون في الجلسات المفتوحة لمناقشة موازنة العام 2023. وعلى حدّ علمنا فإن باسيل لم يبدّل موقفه من الموضوعين الآنفي الذكر، وهو الذي أكدّ أكثر من مرّة لجميع الذين راجعوه بالنسبة إلى موقفه النهائي من موضوع ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور أنه باقٍ على موقفه المبدئي، وأنه لن يحيد عنه، لأن لا شيء تغيّر في المعطيات وفي المشهد السياسي.
ولكن ما أعلنه مؤخرًا عن معاودة الحوار بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” أعاد الحرارة إلى العلاقة بينهما بعد شهور من البرودة الشديدة التي سادت بينهما، والتي لم تخلُ من اتهامات متبادلة ومن تجييش لكل أنواع الحملات التخوينية، وبالأخص ما صدر عن أكثر من قيادي في “التيار” من كلام عالي السقف ضد “الحزب”، كما أن قيادات في تكتل “الوفاء للمقاومة” لم “يقصرّوا” في هذا المجال.
فهل يمكن أن يكون ما أعلنه باسيل مقدمة لحل رئاسي معيّن “من دون شروط مسبقة”، خصوصًا “أن هذا الحوار الذي بدأ بوتيرة جيدة وإيجابية، نأمل أن يتكثف للوصول إلى نتائج تأتي بالمنفعة لجميع اللبنانيين وليس لفريق على حساب آخر، كما قال باسيل.
فما هي الشروط غير المسبقة، التي تحدّث عنها باسيل، كشرط أساسي لاستئناف الحوار من حيث انقطع؟ فهل اقتنع مثلًا بإسقاط شرطه بسحب “الحزب” ترشيح فرنجية؟ وماذا يعني الحوار الثنائي في هذا المنعطف التاريخي، الذي يمرّ به البلد، وهل يمكن أن يكون هذا الحوار بين حليفي الأمس بدلا عن ضائع لحوار شامل وموسع لن يتحقّق في المدى المنظور حتى بصيغته الفرنسية؟ فهل سيتمكّن “الحزب” من اقناع باسيل بالسير بترشيح فرنجية، أم أن الأخير سينجح في اقناع “الحزب” بأن تمسّكه بهذا الترشيح لن يؤدي في نهاية المطاف إلى انتاج رئيس للجمهورية يكون مقبولًا من الجميع، وبالأخصّ من المكّون المسيحي المعني ربما أكثر من غيره بهذا الاستحقاق الدستوري والسياسي؟
في المعطيات المتوافرة، على قلتها، عن السبب الرئيسي والمباشر لمعاودة جلسات “ترطيب” الأجواء بين “حارة حريك” و”ميرنا الشالوحي”، قد يكون ما أعلنه “حزب الله” مؤخرًا عن عدم مشاركة وزيريه في أي جلسة حكومية لتعيين خلف لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو الدافع الأساسي لمعاودة الحوار، الذي بدأ بزيارة قام بها وفد من “الحزب” لباسيل برئاسة صديقه وفيق صفا، والذي تمّ التوافق في خلالها من حيث المبدأ على وقف الحملات المتقابلة على مواقع التواصل الاجتماعي من قِبَل جيشي الطرفين الالكترونيين، تمهيدًا لمعاودة حوار جدّي ومعمّق.
أوساط قريبة من “التيار الوطني الحر” ردّت على بعض المشكّكين بجدوى هذا الحوار بالقول إن الحوار، وإن لم ينتج عنه ما يمكن اعتباره حلًّا نهائيًا يبقى أفضل من اللاحوار أو “التسمرّ” في المكان والزمان الجامدين، فيما اعتبر بعض المراقبين أن ما يحاول باسيل القيام به هو نوع من الهروب إلى الأمام في خطوة لم تفاجئ أحدًا، وإن قلّل هؤلاء من احتمال انعكاس مفاعيل هذا الحوار على موقف باسيل من ترشيح ازعور.
لبنان 24