يبدو ان صيف لبنان سيظل “لاهبا” على مختلف الصُعد، فبعد اجتماع اللجنة الخماسية الذي عقد في الدوحة وجدد المُطالبة بالمضي بإصلاحات إقتصادية وإتمام إستحقاق الرئاسة مع إشارات باتخاذ إجراءات ضد “المعرقلين”، وبانتظار زيارة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت، تُشير المعطيات إلى ان “الفراغ” سيكون طويلاً.
وفي المقابل، وإضافة إلى الملف الرئاسي ثمة استحقاقات مالية واقتصادية تنتظر اللبنانيين أيضا في هذا الصيف، ففي أواخر تموز الجاري تنتهي ولاية رياض سلامة في حاكمية مصرف لبنان من دون ان يتضح نهائيا شكل الحل الذي سيسلكه هذه الملف رغم تأكيد المعنيين ان الاصول القانونية سيتم اعتمادها.
ماليا وبعد فترة من استقرار سعر صرف الدولار، شهدت السوق الموازية يوم السبت الماضي ارتفاعات متتالية للدولار الذي لامس نحو 100 ألف ليرة ثم ما لبث ان تراجع ما أثار قلق اللبنانيين من معاودة العملة الخضراء الارتفاع مع التأزم الحاصل سياسيا واقتصاديا. كما عاد “مسلسل” اقتحام المصارف من قبل مواطنين من أجل تحرير ودائعهم، الامر الذي ردت عليه جمعية مصارف لبنان بالإعلان “أنها ستضطر إلى العودة إلى التدابير التنظيمية السابقة، في حال لم تتوقف الاعتداءات عليها، وذلك تجنباً لحصول ما لا تُحمَدُ عقباه”.
ازاء هذه الوقائع يطرح السؤال عن مصير ودائع اللبنانيين؟
في هذا الإطار، يؤكد خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد الدكتور محمد فحيلي عبر “لبنان 24” ان “الودائع بالعملة الأجنبية موجودة في أرصدة حسابات في المصارف التجارية اللبنانية والتصنيف الوحيد الذي يجب ان تحمله هذه الودائع هو “ودائع بالدولار الفريش” والتي هي مُحررة من كل المخاطر ولا غبار عليها ولا تتطلب إجراءات إستثنائية للوصول إليها”.
وتابع فحيلي: “إضافة إلى ذلك هناك ودائع “بالدولار المحلي” وهي أموال تمّ توظيفها من قبل المصرفيين المؤتمنين عليها “(أي قروض وتسهيلات مُنحت للمواطنين)”، مشيراً إلى ان “هذا هو الجزء الذي تدّعي المصارف بأنها تكبدّت فيه خسائر كبيرة بسبب تسديد هذه القروض على سعر صرف الـ 1500 ليرة للدولار الواحد في الوقت الذي كان فيه السعر الحقيقي للدولار أضعاف ذلك بكثير، وقد تكون هذه مخاطر غير مُرتقبة ولكن يتحملها المصرف وليس المودع. “
وأضاف ان “الودائع بـ”الدولار المحلي” تشمل أيضا توظيفات لدى المصارف المُراسلة والتي يجب أن تكون سيولة خارجية جاهزة إلا إذا كانت مُحتجزة في مقابل تسهيلات يقدمها المصرف التجاري في لبنان لزبائنه عبر المصارف المُراسلة ويتحمل مخاطرها أمامه”، مُشيراً إلى ان “هناك توظيفات تأخذ شكل إيداعات لدى مصارف غير مُقيمة تكون بمثابة سيولة خارجية للمصرف التجاري اللبناني”.
ولفت إلى وجود توظيفات إلزامية بنسبة 15% من حجم أرصدة الودائع بالعملة الأجنبية، والمعروف اليوم بالاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان ويجب أن يكون سيولة جاهزة؛ وهناك أيضاً توظيفات اختيارية من شهادات إيداع وغيرها، قامت بها المصارف سعياً وراء الربح السهل للتهرب من عناء وكلفة دراسة ملفات التسليف للقطاع الخاص وتحمل مخاطرها، إضافة إلى الديون السيادية وهي المعروفة بـ “اليورو بوند” والتي أعلنت الدولة التوقف عن خدمة هذا الدين.”
وشدد فحيلي على ان “المنطق الإقتصادي يُحتم على المصرف عدم توظيف هذه الودائع كإجراء إحترازي، أي جزء من هذه الودائع يبقى سيولة جاهزة في الخزنات الحديدية في المصارف، يُضاف إلى هذا المبلغ التوظيفات الإلزامية لدى مصرف لبنان، وبذلك تكون هناك أجزاء من أرصدة الحسابات بالدولار المحلي كسيولة جاهزة من حق المودعين الحصول عليها”، قائلاً: “يجب الإعتراف بأن الجزء الأكبر من هذه الودائع مُثقل بالمخاطر الإئتمانية والخسارة لأنها وظفت في موجودات ذات مخاطر عالية”.
وتابع فحيلي: “إذا سلمنا جدلاً بأن المصارف (او البعض منها) غير قادرة على إمتصاص الخسائر الناتجة عن هذه التوظيفات وأصبح رأسمالها سلبيا ويجب معالجتها، عندها يجب الذهاب إلى الحلول الممكنة من قبل السلطة صاحبة الإختصاص، أي مصرف لبنان، حينها المصرف يُعلن إفلاسه ويُسلم أمره للمركزي، يتم عندها تعيين مدير مؤقت من قبل الهيئة المصرفية العليا لإدارة المصرف في هذه المرحلة، ويُتخذ القرار بضخ رأسمال جديد بالمصرف وتعويمه إذا كان ذلك ممكنا، وتأمين مصرف آخر مقتدر لإمتلاكه على أن يُحسن ذلك من وضع المصرف أو دمجه مع مصرف آخر أملاً بأن “في الإتحاد قوة”، مُعتبرا ان “آخر الحلول يكون “التصفية” من خلال تسييل او عرض موجودات المصرف للبيع وتدفع عندها أموال المودعين من إيرادات هذه العملية”. ورأى ان “كل هذه الحلول تحسن من حظوظ المودعين في الإطمئنان على أموالهم.”
وأشار إلى “وجود عدد من التجارب المماثلة عاشها القطاع المصرفي في لبنان من أوائل التسعينيات حتى اليوم وممكن الإستفادة منها، وبذلك نكون قد حافظنا على الجزء الأكبر من هذه الودائع مع الحفاظ على القطاع المصرفي”، مؤكدا ان “خشبة خلاص هذه الودائع لن يكون إلا من خلال ضخ حياة جديدة في المصارف الموجودة ومنها فقط القادرة على الإستمرار في خدمة الإقتصاد.”
واعتبر فحيلي أن “الخطورة على الودائع بالدولار المحلي تكون بإعطاء تراخيص جديدة لمصارف جديدة برأسمال جديد نظيف. عندها تتوجه كل الودائع والخدمات المصرفية إليها، ومصارفنا الحالية تبقى مُثقلة فقط بالموجودات الهالكة، والخسائر والرأسمال السلبي، ويكون ذلك بمثابة شطب لكل الودائع، لأنه في هذه الحالة، فحتى تسييل هذا الكم من الموجودات لن يكون ممكناً وستصبح الحلول غير متوفرة.”