حين نُسأل في بلدنا “من أيّ لبنان أنت؟”

كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:

يُحيِّر الوضع المُتناقض في لبنان عُلماء الاجتماع والاقتصاد واللبنانيّين أنفسهم مُقيمين ومُغتربين. لغزٌ يتمثّل بمشهدين متناقضين: فقرٌ وجوعٌ وذلٌ و”نقٌّ”، تُقابله مظاهر ثراء وإفراطٌ في الإنفاق وبذخٌ في المأكل والمشرب وافتخارٌ بذلك الى حدِّ “التّفشيخ”.

تفشّى الفقر في لبنان كمرضٍ خبيث يتغلغل في الجسم من دون استئذان. مواطنون كانوا يعيشون حياة “مستورة” أصبحوا فقراء، وفقراءٌ انحدروا الى طبقة “العَدَم” وأصبحوا وكأنهم ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بحقّهم. أن تكون تحت خطّ الفقر في لبنان يعني أن تتناول وجبة واحدة في اليوم، وأن تتوقّف عن إرسال أولادك الى المدارس والجامعات ليس لأنك لا تملك مالاً لدفع القسط فقط، بلّ لأنك لا تستطيع شراء أي مكوّن يدخل في تحضير “ساندويش” أو حتّى شراء منقوشة زعتر لابنك. أن تكون تحت خطّ الفقر يعني أن تخافَ من زيارة الصيدلية أو الطبيب وأن تنسى أنّك بحاجة الى دواء. “تحت خطّ الفقر في لبنان” قد يدفع البعض الى توسّل جمعيّات وأشخاص للحصول على بعض المُساعدات، وقد يُسكِت البعض الآخر لأنّ عزّة نفسهم تمنعهم عن طلب أيّ شيء. يعني لكُثر أن تبيع أثاث بيتك قطعة قطعة لشراء أيّامٍ في ما يُشبه الحياة.

في لُبناننا أيضاً مشهدٌ مُغاير. لبنانيّون ينفقون الكثير في المطاعم التي يصلون إليها في أحدث السيّارات. يطلبون طعاماً لـ10 أشخاص لإطعام شَخصين. يتركون المكان باكراً لزيارة مطعمٍ آخر في الشّارع نفسه. رجالٌ يتباهون بالـ”براندز”، ونساءٌ يُصوّرن حقائب اليد التي يتخطّى سعر بعضها الـ10 آلاف دولار. الصّور والقصص المصورة على “إنستغرام” شاهدةٌ. في هذا اللبنان أيضاً، طوابيرٌ في بعض المتاجر في “المول” رغم أنّ الأصفار تزيد على بطاقات السّعر من دون رقيب. في لبنان الأغنياء، تحتاجُ الى واسطة لزيارة ملهى يتخطّى الـ”minimum charge” فيه على الشّخص الواحد الـ150 دولاراً. فما هذا الانفصام؟

يشرحُ الباحث في الدوليّة للمعلومات محمّد شمس الدّين أنّ “الطبقيّة موجودة في لبنان في التاريخ، إذ لطالما كانت هناك طبقة فقيرة، وثانية متوسّطة وثالثة غنيّة”، لافتاً في حديث مع موقع mtv الى أنّ “التّركيبة الطبقيّة للمجتمع اللبناني كانت تُختصر بنسبة 5 في المئة للأثرياء و70 في المئة للطبقة المتوسّطة و25 في المئة للطبقة الفقيرة، وقبل بداية الأزمة وتحديداً منذ الـ2018، بدأنا نُلاحظ ارتفاعاً في أعداد الفقراء. وفي تصنيفٍ جديد، يتبيّن أنّ نسبة الأثرياء لم تتغيّر، أما الطبقة المتوسّطة فقد أصبحت 40 في المئة، والـ30 في المئة انضمّوا الى طبقة الفقراء التي أصبحت 55 في المئة من الشّعب اللبناني”.

ولكن كيف يعيش مَن في الطّبقة المتوسّطة؟ يُجيب شمس الدّين: “يحظى الـ40 في المئة الذين يمثّلون الطبقة المتوسّطة بدعمٍ ماديٍّ كبير عبر التحويلات من الخارج، لذا يتمتّع الأفراد في هذه الطبقة بقدرة على ارتياد المطاعم والملاهي والتبضّع وعيش حياة كريمة، ولكنّ نسبة الـ40 في المئة من الطبقة المتوسطة تُعتبر هشّة جدّاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الآنية، فعند أيّ حادث طارئ كالدّخول الى المستشفى مثلا، يُمكن أن يخسر الأفراد في هذه الطبقة إمكانيّاتهم فينحدرون بسرعة فائقة الى طبقة الفقراء، وهذه ظاهرة بحدِّ ذاتها”.

من أيّ لبنان أنتَ؟ سؤالٌ يجوز أن يُطرح من الآن فصاعداً على كلّ لُبناني. أما لحُكّامنا فنقول: في أيّ مجرّة تَعيشون؟