اقتصاد

مشروع إعادة أموال المودعين”كاملة”.. هذا ما كشفه رئيس مجلس شورى الدولة!

طرح مشروع قانون رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس خريطة طريق “لإعادة اموال المودعين كاملة” عبر الدولة والمصرف المركزي. وحرص في خطوطه العريضة على مراعاة الأحكام المرعية الاجراء، ولاسيما قانوني النقد والتسليف والتجارة، المتعلقة بالودائع المصرفية والتي”تمنع منعاً مطلقاً على الحكومة ومصرف لبنان والمصارف اتخاذ اي قرار أو القيام بأي اجراء أو تصرّف من شأنه المسّ بالودائع المصرفية او الاقتطاع منها او الحسم من قيمتها الحقيقية او تغيير نوعها بأي شكل كان او الغاء التزامات المصارف لدى مصرف لبنان او سداد الودائع بغير قيمتها الفعلية، ويعتبر الاجراء او التصرف الحاصل بهذا الخصوص، ايا تكن طبيعته، باطلا وكأنه لم يكن”، لاحظاً خطة لاستعادة اموال المودع كاملة لأنه “لم يرتكب أي خطأ”. وأوجب ان تكون استعادة حقوقه عبر مثلث “الدولة والمصرف المركزي والمصارف الذين يتحملون مسؤولية مشتركة غير قابلة للتجزئة”، معتبرا ان “الدولة مسؤولة في الدرجة الاولى عن إنفاق معظم قيمة الودائع”، مفصلاً الاجراءات الآيلة الى تمكينها من إيفاء التزاماتها لاعادة المبالغ التي استدانتها من مصرف لبنان ومن المصارف، وكذلك تلك التي استدانتها من مصرف لبنان وذلك عبر انشاء هيئتين مستقلتين للاشراف على هذه العملية من اجل “العمل على تفعيل دور كل مرفق عام او شركة مملوكة من الدولة من طريق المراقبة وتعزيز الشفافية والاشراف على الاملاك العامة والخاصة للدولة وكيفية ادارتها واستثمارها وتحسين مداخيلها ورفع قيمتها السوقية بهدف تحسين موارد الدولة”. كما تصدر الحكومة سندات مالية طويلة الاجل مضمونة بجزء من ايرادات الدولة لتودع في الحساب المخصص لاعادة اموال المودعين في مصرف لبنان. وفي المقابل تودع نسبة من الاموال المحصّلة من اعمال الادارة في حساب في مصرف لبنان وتكون هذه الاموال مخصصة فقط لتسديد ديون الدولة لدى المصارف التي هي اصلاً من اموال المودعين، كما يدخل الى هذا الحساب ما يجري اقتطاعه من نسبة من عائدات الدولة من النفط والغاز. وخصّ المشروع في السياق سبل الافادة من مداخيل التعديات على الاملاك البحرية، على ان يلتزم المصرف المركزي موجب المحافظة على كامل قيمة الاموال المودعة لديه في حساب الدولة، في مقابل ان تصدر الحكومة سندات مالية بقيمة خمسة مليارات دولار بالعملات الاجنبية لاعادة رسملة مصرف لبنان.

وأوجب المشروع على المصارف اعادة تكوين رساميلها خلال مهلة سنة من صدور هذا القانون، والزام كل مصرف اعادة التحاويل الى الخارج بعد 17/10/2019 سواء من امواله الخاصة او اموال اعضاء مجلس ادارته وسائر المسؤولين فيه، وبيع او ايجار الشركات الخاصة العائدة لها وضمها الى ميزانية المصرف العائدة له. كما اوجب عليها اعادة تكوين رساميلها من خلال ضخ المساهمين الحاليين او المساهمين الجدد اموالا جديدة يحددها مصرف لبنان لكل مصرف كشرط مسبق لاستمراره، اما المصارف غير القادرة على الاستمرار فتخرج بالتصفية او بالاندماج مع مصارف اخرى. والزم المصارف ان يعيد من استفاد منها من الهندسات المالية الى المصرف المركزي قيمة المبالغ التي تلقاها بالدولار نقداً خلال مهلة سنة من تاريخ نفاذ هذا القانون، في موازاة ان تسترجع المصارف من الدولة قيمة الضرائب التي دفعتها عن الارباح الناتجة عن هذه الهندسات.

أما في حال لم يتمكن المصرف من تحقيق الموجبات المحددة فيعتبر متوقفا عن الدفع ويطبق عليه قانون 2/67 ويحال على التصفية. وتضمن المؤسسة الوطنية لضمان الودائع ودائع المصارف التي ستحال على التصفية لغاية 50 ألف دولار لكل مودع او ما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية. وقارب المشروع الودائع من زاويتين: الاولى صنّفها بأنها ودائع غير مؤهلة. وتشمل الودائع التي حوّلت من الليرة اللبنانية الى الدولار بعد 17 تشرين الاول 2019، وكذلك الشيكات المشتراة بقصد المضاربة والتي جرى ايداعها في المصارف. والثانية الودائع المؤهلة اقترح تسديدها تدريجا بالدولار نقدا او ما يعادلها وفق سعر السوق، في حين تسدد الودائع غير المؤهلة تدريجا بالليرة اللبنانية على سعر صرف يحدده مصرف لبنان بما لا يقل عن نصف سعر صرف الدولار في السوق خلال مدة لا تتعدى 15 عاما.

ولم يميز المشروع في الودائع غير المؤهلة بين كبار المودعين وبين صغار المودعين الذين حوّلوا وديعتهم الى الدولار بعد 17 تشرين للحفاظ على قيمتها، ما يناقض مبدأ المساواة في الحقوق وما ورد في الاسباب الموجبة لجهة ان المودع غير مسؤول عما حصل.

هذه الاسباب الموجبة صنفت الوديعة النقدية بأنها جزء من الملكية الواجب حمايتها استنادا الى الدستور والنظام الاقتصادي الحر، ما يحظر فكرة شطبها جزئيا او كليا لتعارضها المطلق مع احكام الدستور والمواثيق الدولية والقواعد القانونية، وبالتالي يوجب التأكيد على ان الودائع مصانة ويعود لأصحابها حق التصرف بها كأي مالك يتصرف بملكه، موصفاً الرابط بين الطرفين بالعلاقة العقدية المستندة الى عقد الوديعة، ذلك ان المودعين وثقوا عن حسن نية بالقطاع المصرفي المنظم بقانون وتحت اشراف ومراقبة مستمرة من المصرف المركزي الذي يرتبط بالمؤسسات الرسمية للدولة. وهذه الشراكة الواقعية للمسؤولية بين المصارف والمصرف المركزي والدولة تجعل هؤلاء مدينين بموجب رد الودائع لأصحابها، ما يحتم ايجاد حل قانوني عادل ومنصف يؤمّن حقوق المودعين من خلال استبعاد فكرة شطب الودائع بشكل مطلق ونهائي. وتبعاً علل المشروع انه لا يمكن تحميل المودع اي مسؤولية عن خسارة الودائع كونه لم يرتكب أي خطأ بل هو تقيد بأحكام القانون لاسيما المتعلقة بأحكام الوديعة عندما اودع امواله في المصرف ما يفرض على الاخير ان يسهر على صيانة الوديعة وصيانة أشيائه الخاصة. كما يقع على الجهة المدينة اي المصارف و”المركزي” والدولة موجب اعادة الودائع لاصحابها لان هذا الموجب هو متضامن كونه ناتجا عن المسؤولية المشتركة بين الثلاثة، وهذه المسؤولية غير قابلة للتجزئة. وفصّل ان الدولة استدانت هذه المبالغ من المصرف المركزي والاخير استدانها من المصارف من الاموال المودعة لديها. وتاليا على الدولة رد الاموال الى اصحابها كونها مسؤولة بالدرجة الاولى عن انفاق هذه الاموال. وكما صار معلوما انه جرى انفاق معظم قيمة هذه الودائع على اعمال الدعم من مصرف لبنان بدعمه قيمة الليرة بمواجهة الدولار على مدى سنوات عدة ما كبّده خسائر كبيرة، اضافة الى اوجه الدعم كافة التي كانت تتحملها الدولة لسائر القطاعات من كهرباء واستشفاء ودواء وقمح ومحروقات استفاد منها كل افراد المجتمع والمقيمون على الاراضي اللبنانية، والتي ادت الى تبديد الودائع، وبالتالي لا يمكن تحميل هذه الاعباء العامة للمودعين وحدهم لأن ذلك يؤدي الى الاخلال بمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وتحمّل الاعباء العامة الذي هو مبدأ دستوري وفقا لما نصت عليه مقدمة الدستور. واعتبر القاضي الياس ان هذه الخطة ستطمئن المودع الى أن وديعته محفوظة ومصانة لدى المصرف ويكون من شأنها ان تحسن صورة لبنان في محيطه العربي وفي العالم وتعيد الثقة الى مؤسساته المالية ما من شأنه ان يعيد الدور الذي كان يلعبه لبنان في هذا المجال.

وكان رئيس مجلس شورى الدولة سلّم المشروع الى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ابدى كل تجاوب. كما وجه نسخة منه الى رئيس لجنة الادارة والعدل النائب جورج عدوان بعد تواصل بينهما. وقال القاضي الياس لـ”النهار ” انه وضع المشروع بالاستناد الى المادة 56 من نظام مجلس الشورى التي تتناول مساهمة مجلس الشورى في إعداد مثل هذه القوانين. ويفترض بعد انجازه تسليمه الى السلطة التشريعية بشخص رئيسها. وكذلك الى رئيس لجنة الادارة والعدل. “وقد تواصلتُ مع الرئيس بري الذي كان متحمسا لهذا الموضوع، وكذلك تواصلت مع النائب عدوان غير مرة من اجل وضعهما في اجواء المشروع والتحضر من اجل العمل عليه”. واضاف انه سلم المشروع اليهما “انطلاقا من التعاطي مع مؤسسات الدولة”، مشيرا الى انه استعان في الافكار المالية لوضع مشروعه بثلاثة وزراء سابقين اختصاصيين في مجالي الاقتصاد والمال. وذكر انه اعدّ المشروع بمبادرة منه وانطلاقا من مسؤوليته المنصوص عليها في المادة 56 حيث المطبخ القانوني. وقال ان هذا المشروع ركز على حماية حقوق المودعين “وهذه كل غايته باعادة كامل الودائع مقسطة لانه لا يمكن لأي مصرف ان يدفع وديعة نقدا على الفور. وفي حال تبين وجود مصارف مفلسة يطبق عليها القانون 2/67 على ان تتولى مؤسسة ضمان الودائع دفع 50 ألف دولار للمودع، وذلك بالاستناد الى رأي الخبراء الذين اعتبروا ان هذه المؤسسة لا يمكنها واقعيا تأمين اكثر من هذا المبلغ. واتمنى ان تسدد هذه المؤسسة الوديعة كاملة ولن اكون زعلان”.

كلوديت سركيس- النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى