اقتصاد

مشروع قانون “حماية الودائع”… أم حماية المصارف؟

تقدّم رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس بمسوّدة مشروع قانون يرمي، بحسب قوله، إلى حماية الودائع المصرفية وإعادتها إلى أصحابها.

بتحليل قانوني لموادّ المشروع الـ 26، يتبيّن أن الخزينة العامة، أي مجموع المواطنين سيتكفّلون بردّ الودائع إلى أصحابها، وأن المصارف من بين أصحاب الودائع هؤلاء!
يتناول القانون في مادته الثانية التزام الدولة بإيداع المبالغ المخصّصة لتسديد الودائع في حساب خاص لدى مصرف لبنان. وهو يحمّل الدولة (الخزينة العامة)، للمرة الرابعة، هذه المسؤولية، رغم تكبّدها خسائر كبرى وفوائد عن سندات الخزينة للمصارف وللمودعين. المرة الأولى كانت عند الاقتراض بفوائد عالية، والثانية عند إجراء هندسات مالية منحت المصارف أرباحاً استثنائية، وفي الثالثة مع تمنّع المصارف عن تحمّل مسؤولياتها في حماية أموال المودعين واستحواذها على العملات الصعبة مقابل منح المودعين فتات ودائعهم بالليرة.

قانوناً، يقع واجب صيانة حقوق المودعين على عاتق المصارف، بموجب المادة 156 من قانون النقد والتسليف التي تنص على أنه يتوجّب على المصارف أن تراعي في استعمال الأموال التي تتلقّاها من الجمهور القواعد التي تؤمّن صيانة حقوقه، وأن توفق بين مدة توظيفاتها وطبيعة مواردها. لكنّ المادة الثانية من المشروع تتضمن عبارة تتناول عطف مسؤولية الدولة على الموجب المنصوص عنه في المادة 113 من قانون النقد والتسليف. فما هي هذه المادة؟
تتناول المادة 113 الربح الصافي الذي يحققه مصرف لبنان، ويتكوّن من فائض الواردات على النفقات العامة والأعباء والاستهلاكات وسائر المؤونات، ويودع هذا الربح في حساب خاص في المصرف المركزي يُدعى «الاحتياط العام» ويُدفع 50% منه للخزينة. ولدى بلوغ هذا الاحتياط نصف رأسمال المصرف يتم توزيع الربح الصافي بنسبة 20% للاحتياط العام و80% للخزينة. وإذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً، تُغطى الخسارة من الاحتياط، وفي حال عدم وجود هذا الاحتياط أو عدم كفايته «تُغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة». ويكمن بيت القصيد في هذه العبارة الأخيرة، إذ يشير المشروع إلى قيام الخزينة بتغطية الفجوة المالية التي تتضمن الاحتياطي المودع من المصارف لدى مصرف لبنان. ولكن هل هناك احتياطي حقيقي للمصارف في «المركزي»؟

من الناحية القانونية، يلزم مصرف لبنان المصارف بأن تودع لديه أموالاً (احتياطي أدنى) حتى نسبة معينة من التزاماتها الناجمة عن الودائع والأموال المستقرضة، يحددها «المركزي» بموجب المادة 76 من قانون النقد والتسليف. غير أن المصرف المركزي نفسه كان يعتبر توظيفات المصارف في سندات حكومية أو سندات مصدّرة بكفالة الحكومة جزءاً من الاحتياطي، وذلك حتى نسبة معينة يقوم بتحديدها في كل مرة بموجب المادة نفسها. أي، عملياً، إعفاء المصارف من إيداع الجزء الأكبر من الاحتياطي، فكلّما أقرضت الحكومة مبلغاً يجاز لها بالمقابل أن تسحب من الاحتياطي المودع لدى «المركزي».

بازار لتسديد ديون الدولة لدى المصارف
الدولة، وإن كانت مسؤولة عن إعادة ترتيب الوضع المالي لمصرف لبنان، إلا أنها غير مسؤولة عن ترتيب الوضع المالي للمصارف الخاصة. غير أن لمشروع القانون وجهة نظر مختلفة، إذ يقدّم اعترافاً إكراهياً من الدولة بأن «ديون الدولة لدى المصارف هي أصلاً من أموال المودعين» كما ورد حرفيّاً في مادته الثالثة.

وهو يتضمن آلية لبيع واستثمار أملاك الدولة العمومية ومرافقها العامة وجميع شركاتها وعقاراتها، مقابل «تسديد ديون الدولة لدى المصارف»، كما يرد في نهاية المادة الثالثة التي تتناول كيفيّة استثمار الدولة لهذه المرافق، ليعود ويقرر إيداع الأرباح والعائدات والأموال المحصّلة من المزايدات والناتجة عن أعمال الإدارة في حساب مخصص لتسديد ديون الدولة لدى المصارف.

لا يمكن عاقلاً أن يصدر قانوناً ينص على أن إعادة ديون الدولة لدى المصارف تكون ببيع أملاك الدّولة تحت ستار حماية المودعين. أضف إلى ذلك أن قانون تحديد الأملاك العمومية ينص على أن هذه الأملاك هدفها مصلحة عمومية، وليس تخصيصها للمصارف. فيما يتغاضى المشروع عن أن الخزينة العامة هي مجموع أموال اللبنانيين وأملاكهم، وأن الأملاك العمومية تشمل جميع الأشياء المعدة بسبب طبيعتها لاستعمال مصلحة عمومية، وليس لبيعها بهدف إعادة ديون المصارف.

ويطلب المشروع أيضاً إجراء مسح وإحصاء شاملين للأملاك البحرية العامة لضمّها إلى البازار، ولا ينسى ضمان حصة المصارف من أي مال مستقبلي يمكن للدولة الحصول عليه خلافاً لأي نص أو منطق أو مبدأ، إذ ينص في مادته الرابعة على أن تقتطع الدولة 30% من ثمن مبيع الغاز المستخرج وتحويلها إلى الحساب المخصص لتسديد ديون المصارف. علماً أنه إذا كان هذا المشروع هبة للمصارف، فلا يجوز في حال من الأحوال أن تشمل الهبة أموال الواهب المستقبلية، وفقاً لأحكام المادة 513 من قانون الموجبات والعقود، إذ إن تخصيص إيراد لنفقة معيّنة يخالف مبدأ الشيوع، لأن الإيرادات تدخل في مجموع أموال الخزينة ولا يجوز تخصيص مشروع ما لنفقة معينة. ولكن، خلافاً لهذا المبدأ، يريد المشروع من الخزينة العامة أن توزّع المبالغ المحصّلة على المصارف الدائنة بشكل دوري كل ثلاثة أشهر وفقاً لقيمة دين كل منها «بهدف إعادتها إلى المودعين».

إعادة أموال الخارج بلا آليّات
ما يمكن وصفه بالإيجابي في المشروع، رغم عدم وجود آلية لتطبيقه، هو ما ورد تحت عنوان «موجبات المصارف»، إذ يلزم كل مصرف أجرى تحاويل من أمواله الخاصة إلى الخارج بعد 17/10/2019 من دون أسباب مبرّرة، بأن يعيد المبالغ الناتجة عنها نقداً وبالعملة نفسها. كما يوجب على المصرف الذي استفاد من الهندسات المالية أن يعيد إلى مصرف لبنان قيمة المبالغ التي تلقّاها بالدولار الأميركي نقداً نتيجة هذه الهندسات، وفي المقابل، تسترجع المصارف من الدولة قيمة الضرائب التي دفعتها عن الأرباح الناتجة عن هذه الهندسات. ولكن، هل يعلم واضع المشروع أن المصارف أعفيت حينذاك من أي ضريبة على تلك الهندسات؟

إلى ذلك، فهو حين نصّ على واجبات المصرف المركزي ألزمه بجمع أموال الدولة في حسابه الخاص تحت طائلة العقوبات الجزائية، وحين ألزم المصارف بإعادة الأموال للمودعين لم يكن واضحاً كفاية ولم يتناول العقوبات الجزائية، بل نصّ على تطبيق الأحكام المتعلقة بواجبات المصارف تحت رقابة وإشراف الهيئة المصرفية العليا لدى مصرف لبنان، وتطبق الهيئة على المصرف المخالف عند الاقتضاء العقوبات المبيّنة في المادة 208 من قانون النقد والتسليف، كالتنبيه وتخفيض تسهيلات التسليف المعطاة له أو تعليقها أو منعه من القيام ببعض العمليات أو فرض أيّ تحديدات أخرى في ممارسته المهنة أو تعيين مراقب أو مدير مؤقّت أو شطبه من لائحة المصارف.

كيف تسدّد المصارف الودائع بموجب المشروع؟
تُدفع الودائع مقسّطة على مدة 10 سنوات. أما في حال عودة المصرف إلى وضعه الطبيعي، فيتوجب عليه إعادة الودائع مقسّطة أقساطاً متساوية لمدة أقصاها 3 سنوات، وفي الأمر مخالفة صريحة لقانون التجارة الذي ينص في المادة 307 منه على أن المصرف الذي يتلقّى على سبيل الوديعة مبلغاً من المال يصبح مالكاً له، ويجب عليه أن يردّه بقيمة تعادله دفعة واحدة أو عدة دفعات عند أول طلب من المودع، أو بحسب شروط المهل أو الإعلان المسبق المعيّنة في العقد.

الاخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى