مشهد جديد يتكرس اليوم في مصرف لبنان المركزي مع طي 3 عقود من ولاية الحاكم السابق رياض سلامة وتولي نائبه الأول وسيم منصوري مهام الحاكمية، بينما كان من اللافت أن سوق القطع تلقفت وحتى الآن، الإنتقال السلس، الذي حصل في حاكمية مصرف لبنان، والذي يعيده مصدر إقتصادي مراقب، إلى إعلان منصوري، إستمرار عمل منصة “صيرفة” والتأكيد بأن رواتب موظفي القطاع العام مؤمنة لشهر آب على سعر المنصة، ما منح الأسواق وقتاً مستقطعاً، يؤمل أن يستمر حفاظاً على مرحلة الإستقرار النقدي في الفترة الاخيرة. ويتوقع المصدر أن تكون قرارات منصوري بدءًا من اليوم، مدروسةً على قاعدة احترام الموقع ووقع أي إجراء على الأسواق، وخصوصاً أن مناخ التجاذب السياسي الذي استخدم السياسة النقدية عنواناً في المعارك على الإستحقاقات الدستورية، لم يتبدّل كثيراً .
وبالتالي، يكشف المصدر لـ “ليبانون ديبايت”، أنه “لا يبدو ان الطبقة السياسية راغبة باحداث خضة سلبية في اسعار الصرف، وخصوصاً بعد التراجع النسبي الذي شهده الدولار رغم استقراره على عتبة الـ90 ألف ليرة، وذلك في ضوء قرار بتمرير موسم الصيف، حيث تشير التوقعات إلى ضخّ نحو 3 مليارات دولار أقلّه، ما يعزز السيولة المحلية بالدولار ويدعم القدرة الشرائية لمعظم اللبنانيين.
لكن، ما تحتاج إليه الليرة اليوم مع بدء عهد جديد في الحاكمية، وفق المصدر، هو “خريطة طريق نقدية لا خطة إصلاح حكومية كالتي قدمها نواب الحاكم في ورقتهم سواء للجنة الإدارة والعدل أو لحكومة تصريف الأعمال. وصحيح أن الإصلاحات هي أوسع باب الحلول، لكن إدارة الوضع الراهن بظلّ الازمة التي ما زالت قائمة، وهو ما دأب سلامة على إجادته بعدة الشغل الموجودة لديه، هي الأهمّ ربما، لأنها تشكل رسالةً واضحة للأسواق، على السياسة النقدية التي سيعتمدها الحاكم بالوكالة منصوري، بدل أن تبقى الأمور ضبابية وقائمة على سياسات شراء الوقت في انتظار إقرار الإصلاحات المطلوبة، سواء لجهة إقرار قانوني الكابيتال كونترول وموازنة 2023 أو سواء لجهة إصلاح القطاع المصرفي. وبالتالي، وعلى أهمية تلك الإصلاحات المطلوبة أيضاً من صندوق النقد، ثمة ضرورة لإحداث صدمة ثقة تقوم على وضوح في السياسات النقدية، فيما يبدو أن توجه الحاكمية الجديدة يقوم على تغييرٍ، لا تزال ملامحه ملتبسة رغم المؤتمر الصحافي لمنصوري بالأمس.
ورداً على سؤال حول “الفرصة الأخيرة” التي تحدث عنها منصوري، يعتبر المصدر، أن منصوري كما نواب الحاكم الثلاثة، يدركون أن أمامهم صعوبات جمة في قيادة البلاد نحو دفة الأمان النقدي، وخصوصاً أنهم رافقوا الحاكم سلامة في السنوات الثلاث الأخيرة، وشهدوا عن قرب، على إصرار السياسيين على “حشر مصرف لبنان”، في معارك تُخاض دوما تحت عنوان الحفاظ على المكاسب والمواقع، وكذلك، يثمّن هؤلاء الأثمان التي دفعها مصرف لبنان والحاكم سلامة شخصياً، لقاء عدم التجاوب مع المطالب والطلبات التي لا تنتهي، وخصوصاً أن “الليرة استُخدمت سلاحاً لتطويع اللبنانيين وإخضاعهم وإلهائهم عن التمحيص بما يخطط للبلاد في الدوائر السياسية الضيقة”.
ورداً على سؤال حول متابعة الحاكمية الجديدة النهج نفسه كالسابق، يؤكد المصدر أن ذلك سيستمر أقلّه لفترة قد تراوح ما بين ثلاثة وستة أشهر، مشيراً إلى ضرورة انتظار موقف منصوري ونوابه من المشهد السياسي غير القابل حتى اليوم، على طيّ صفحة الخلافات العاصفة التي تعيق انتخاب الرئيس، رغم إدراك الجميع بأنه مفتاح الحل والصدمة الإيجابية التي يحتاجها الإقتصاد والليرة لأي انطلاقة جديدة.
أمّا بالنسبة لإعلان منصوري عن عدم تمويل الحكومة وما إذا كان يعني الإنتقال إلى سياسة نقدية جديدة وعهد جديد في المصرف المركزي، فيعتبر المصدر أنه يشترط توفير التغطية القانونية لإقراض الدولة، تحسباً لأي مساءلة، ولكن، هذا يقود في النهاية إلى نتيجة واحدة: الإستمرار بتمويل الدولة مع استمرار تعطيل الإصلاحات. وتعمّد منصوري في “مصارحة” الناس والسياسيين، توجيه رسالة لرفع المسؤولية مستقبلاً عن أي تورط جديد في تمويل الدولة، وهو اتهام سبق أن وجه إلى سلامة، رغم أن الجميع يدرك استحالة اعتماد وسائل أخرى لتمويل الدولة، أي لتمويل رواتب القطاع العام والأجهزة العسكرية والأمنية واستمرار دعم بعض أدوية الأمراض المستعصية.
وعن الحلول الأخرى، إن لم تبادر السلطة السياسية إلى القيام بالإصلاحات وتوفير الإيرادات من جباية الضرائب والرسوم؟ يجيب المصدر أن الجواب رهن الأيام المقبلة، ولكن، يؤمل في أن تدرك الحاكمية اليوم، وبعدما تسلمت دفة القيادة، أن “التنظير وإطلاق النظريات حول الإصلاحات والمثاليات شيء، والفعل وتلقّف نتائج الأفعال السياسية والتعامل مع الواقع شيء آخر”.
وبالنسبة لتحرير سعر الصرف وتأثيره على دولار السوق السوداء، يلفت المصدر الإقتصادي إلى أن اللبنانيين يأملون توحيد أسعار الصرف و استقرار سعر صرف الليرة، بما يعيد الإنتظام إلى الحياة الإقتصادية واليومية.،لكن تحرير سعر الصرف، وهو أبرز مطالب صندوق النقد، دونه محاذير ومخاطر لجهة ارتداداته على المجتمع، وخصوصاً إذا تمّ اعتماده كبند وحيد، دون أن يترافق مع خطة حكومية واضحة ومبرمجة المراحل الإصلاحية زمنياً، وثمة تجارب مرّة لدول انصاعت لرغبة الصندوق، ودخلت في فوضى التخبط النقدي دون أن تنجح في لملمة الآثار المباشرة، إقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً.
ويخلص المصدر إلى الإشارة إلى أن الحاكمية الجديدة “استفادت من التلاقي السياسي على تقطيع المرحلة بأقل ضرر ممكن بانتظار حوار أيلول، لكن عليها أن تدرك أنها قد تكون الفرصة الأخيرة لها لإحداث تغيير إيجابي في المشهد النقدي، وخصوصاً بعد فترة انتظار طويلة، تخللها الكثير من الإفتراءات بحق الحاكمية والسياسة النقدية، بما يوجب الكثير لتنقية المشهد واستعادة الثقة من جديد”.
ليبانون ديبايت