هل قَبِل باسيل بفرنجيّة؟

كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:

تخضع معاودة الحوار بين «حزب الله» ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لمرحلة اختبار للنيات للتأكد من أن الحوار لن يبقى تحت سقف المناورة لتقطيع الوقت، وأن لدى الطرفين رغبة في تعبيد الطريق أمامه للتفاهم على توحيد الرؤية في مقاربتهما لانتخاب رئيس للجمهورية بذريعة أن أحدهما في حاجة للآخر لإخراج الانتخاب من التأزّم الذي لا يزال يتصدّر مهمة الممثل الخاص للرئيس الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، التي تحظى هذه المرة بغطاء سياسي من اللجنة الخماسية.

ويكمن الجديد في معاودة الحوار بين «حزب الله» وباسيل في أنها تأتي في ظل انقطاع التواصل بين محور الممانعة والمعارضة، وتكاد تكون التحرك السياسي الوحيد الذي هو الآن موضع اهتمام من قبل الحلفاء والخصوم للتأكد ما إذا كانت عودة لودريان المرتقبة إلى بيروت تتلازم مع إعادة خلط الأوراق الرئاسية، انطلاقاً من أن باسيل قرر أن ينهي انقطاعه بحليفه في مقابل خروجه من تقاطعه مع المعارضة على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية.

وتتباين الآراء في تحديد المسار العام للحوار المستجد بين «حزب الله» وباسيل، ويرى فريق محايد أن الطرفين في حاجة إلى بعضهما البعض، ويقول بأن الحزب يراهن على ضم حليفه إلى محور الممانعة الداعم لترشيح رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، وأن مجرد استئناف الحوار يعني حكماً بأن باسيل أوشك على الإعلان عن إنهاء تقاطعه مع المعارضة بتأييده أزعور.

ويلفت الفريق المحايد إلى أن باسيل يحاول اللعب على الخلاف القائم بين محور الممانعة والمعارضة، لكنه يتريث في الإعلان عن تقاطعه مع المعارضة لأنه لا يريد أن يبيع موقفه للحزب بلا ثمن ما لم يضمن تفهمه للأولويات التي طرحها، بدءاً بموافقة حليفه على إنشاء الصندوق السيادي وإقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة.

ويؤكد أن باسيل بمعاودة تواصله مع الحزب قرر، كما يقول مصدر نيابي بارز، النزول من أعلى الشجرة بحثاً عن تحسين شروطه في التسوية السياسية في حال أن الظروف أتاحت لها العبور إلى بر الأمان مع انتخاب رئيس للجمهورية.

ويقول الفريق الحيادي، نقلاً عن المصدر النيابي لـ«الشرق الأوسط»، بأن باسيل بطروحاته أراد تمرير رسالة إلى الحزب تحت عنوان: خذوا الرئاسة وأعطونا الدولة، وهذا لن يتحقق ويصطدم بحائط مسدود، لأن اللامركزية المالية الموسعة هي الوجه الآخر للفيدرالية.

ويضيف أن الحزب لا يملك ما يمكن أن يعطيه لباسيل، رغم أن أكثر من نائب ينتمي إلى تكتله النيابي وتياره السياسي أخذ يطوّر موقفه باتجاه عدم ممانعة باسيل بتأييد فرنجية إذا ما حصل، في مقايضة لترشيحه، على الثمن السياسي الذي يطالب به لاسترداد موقعه في الشارع المسيحي في مواجهة خصومه لقطع الطريق على من يزايد عليه، بذريعة أنه حصل على المطلب المسيحي الأول والمقصود به إقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة.

ويرى الفريق نفسه أن الحزب وباسيل يتقاطعان حول ضرورة التمهّل في الحوار المستجد بينهما وعدم الإقدام على حرق المراحل، ويؤكد أن مجرد قرار باسيل باستئناف الحوار من شأنه أن يُقلق المعارضة ويشغل بال الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بانتخاب رئيس للجمهورية في ضوء ما أخذ يتولّد من هواجس ناجمة عن الأجواء الإيجابية التي رافقت استقبال رئيس المجلس النيابي نبيه بري لقائد الجيش العماد جوزف عون الذي تُوّج بالإفراج عن ترقية الضباط، إضافة إلى ما يتردد دولياً بأن حظوظ الأخير تتقدّم رئاسياً وهذا ما يقلق باسيل.

ويقول بأن الحزب لم يقرر التجاوب مع طلب باسيل بمعاودة التواصل معه إلا بعد أن تجاوب باسيل مع طلبه بإدراج اسم فرنجية في عداد لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية، بخلاف موقفه السابق برفضه ترشيحه أسوة بموقفه المناوئ لقائد الجيش الذي لا يزال على حاله.

ويؤكد أن باسيل لم يتلقّ حتى الساعة أجوبة قاطعة من الحزب على لائحة المطالب التي تقدّم بها، ويقول بأنه لا يزال يدرسها لتبيان تداعياتها على مجمل الوضع السياسي في ضوء توجه حليفه للدخول معه في ربط نزاع يتلازم في هذه الأثناء باندفاع النواب المؤيدين له في الدفاع عن انفتاحه على الحزب، في مقابل انكفاء معارضيه عن معارضته، وكأنهم يفضلون التريث ريثما تتوضح الصورة ويستقر الحوار حول صيغة ما، رغم أن هناك من يستبعد اصطدامه بمعارضة داخل تياره السياسي في حال توصل مع الحزب إلى تفاهم يحفظ موقعه في التسوية السياسية.

لذلك يتحفّظ الفريق المحايد حيال اتهام باسيل بأنه يناور في انفتاحه على الحزب لتقطيع الوقت، ويقول بأن ما يهمه قطع الطريق على انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، وبالتالي سيبني موقفه انطلاقاً من تقديره إذا كانت حظوظ قائد الجيش أخذت تتقدم، أم أنها تتساوى مع حظوظ المرشحين الآخرين.

وفي المقابل فإن قوى في المعارضة تتمهل في تقويمها لانطلاق الحوار بين الحليفين اللدودين، وأن موقفها الراهن يتراوح بين عدم تسرعه في إنهاء تقاطعه مع المعارضة على دعم ترشيح أزعور، وموافقته على إدراج اسم فرنجية على لائحة المرشحين للرئاسة، لأن إدراجه أدى لإنهاء القطيعة بينه وبين الحزب.

وعليه يبقى التريث في إصدار الأحكام على معاودة الحوار بين الحزب وباسيل سيد الموقف، مع أن الأخير يحسب بدقة ردود الفعل المحلية والخارجية في حال قرر الاستدارة كلياً نحو الحزب، لأن استدارته ستكون حاضرة في إعادة رسم خريطة جديدة للتحالفات الرئاسية، فهل يفعلها باسيل؟ أم انه يوظف انفتاحه لملء الفراغ في الوقت الضائع ريثما يعود لودريان إلى بيروت، وبالتالي يستدرج العروض ليبني على الشيء مقتضاه.