هل من راسبين في الامتحانات الرسمية؟

كتب فؤاد بزي في “الأخبار”: للعام الثاني على التوالي تُضرب الشهادة الرسميّة من بيتها. أكثر من 60% من التلامذة حصلوا على تقدير جيّد أو جيّد جداً، لدرجة أنّ عدد الحاصلين على تقدير أكثر من عدد الناجحين في شهادة الثانوية العامة. نسب النجاح أيضاً أبعد ما تكون عن المنطقية، إذ تخطّت 90% في فرعَي العلوم العامة وعلوم الحياة، وفي فرع الاقتصاد والاجتماع وصلت إلى 89%، وتخطّت في الآداب والإنسانيات عتبة 77%. انقلبت المعايير تماماً بعد عام 2019، وكأنّ الراسب هو من لم يتقدّم للامتحان فقط، فبحسب تقارير المركز التربوي، التقدير كان استثناءً، ونسبة النجاح لم تتجاوز عتبة 80% في أحسن الأحوال. مع العلم أنّ نسبة الرسوب محتسبة على أساس المشاركين الراسبين زائد المتغيّبين، ولو احتُسبت من دون أخذ عدد التلاميذ المتغيّبين في الحسبان لارتفعت أكثر.

حاسمة أتت إجابة أحد الأساتذة النقابيين حول الامتحانات، «مشكوك في مصداقيتها، إذ لا يوجد بلد في العالم وصلت فيه نسب النجاح إلى ما حصل في لبنان». بـ«المصيبة الكبرى» وصف الأساتذة «توزيع درجات التقدير»، متسائلين عن «مستوى التلميذ الناجح من دون تقدير من جهة، وعن حال الشهادة الرسميّة من جهة ثانية، فمن حصّل الشهادة خلال هذا العام لا يشبه أبداً من حصّلها قبل عام 2019، رغم أنّ المنهاج التعليمي هو نفسه». وفي مشهد موازٍ فتح أستاذ دفتر علاماته للدلالة على علامات أحد التلامذة «الناجح على الحافة مدرسياً، ولكنّه حصل على تقدير جيّد جداً في الامتحان الرسمي»، متأسّفاً على «مستوى الشهادة الرسميّة التي فقدت قيمتها تماماً، بعد أن كان الحصول فيها على درجة تميّز عاملاً مساعداً في الحصول على المنح الجامعيّة».

«الامتحانات منذ سنتين دراسيتين لا تغطي نصف المنهاج المُقلّص أصلاً»، بحسب الأساتذة المتخوّفين كثيراً مما جرى. ورأوا في مجريات السنتين الماضيتين من تخفيف المواد التعليميّة «سوابق قابلة للتكرار والتكريس في الأعوام الدراسيّة المقبلة، ولا سيّما أنّ الأوضاع المعيشيّة لم تتحسّن». وأعاد هؤلاء ارتفاع نسبة الحصول على التقدير هذه السّنة إلى «المنهاج المقلّص الذي ناهز عمره ربع القرن، وأضحت أسئلته معروفة تماماً لدى التلامذة، فالدورات تتكرّر سنوياً، وبنك الأسئلة نفد منذ مدّة طويلة، فمنذ عام 2000 هناك 22 دورة، ما يعني وجود 44 نموذج امتحان من كلّ مادة بين أيدي التلامذة»، إضافة إلى «وجود توجه لدى وزارة التربية لمراضاة الرأي العام عبر تخفيف مستوى الامتحانات، والقول بأنّ الأخيرة كانت جيّدة».

حتى الضجة التي أثيرت حول «المستوى العالي لمسابقة مادة الرياضيات»، رأى منسّق المادة في ثانوية رسميّة أنها «مفتعلة من قبل الوزارة، فلو كانت المسابقات بهذه الصعوبة لما رأينا هذه العلامات المرتفعة». ويعلّق أحد أعضاء لجان الامتحانات بأنّ «تقليص المنهج لا يبرّر التوجه صوب تخفيف مستوى المسابقات بحسب توجيهات وزارة التربيّة، ولا عدم التشدّد في التصحيح إلّا على جزء محدّد من سؤال معيّن، لا المسابقة كلّها».

يجزم الأساتذة بأنّ «الامتحانات لعبة، والمراقبة كذلك». الفوضى في أكثرية مراكز الامتحانات ستؤدّي حتماً إلى ارتفاع نسب النجاح، فـ«هناك مراقبون يريدون مساعدة التلامذة علناً»، يقول رئيس أحد مراكز الامتحانات في بيروت، فـ«عند دخولي الصف يعمّ الصمت، وعند خروجي يعلو الصوت، والكاميرات لم تردع لا المراقب ولا التلميذ، حتى وزارة التربيّة التي كانت تتشدّد في السنوات الأولى لتركيب الكاميرات، بدت غير مبالية هذه السنة». وفي مركز آخر أشار مراقب عام إلى «استخدام علني للهواتف، إذ طلب منه أحد تلامذته علناً مساعدته في حلّ الامتحان عبر الهاتف، كما أنّ تسريب الأسئلة في الساعات الأولى من الامتحان ساعد في وصول الحل إلى هواتف التلامذة بشكل مقصود».

هي سلّة متكاملة إذاً أدّت إلى هذا المشهد في نتائج الامتحانات الرسمية. علامات خادعة ولا تعبّر عن الواقع، والخشية من الجامعة وما ينتظر هؤلاء الخرّيجين والخرّيجات فيها، حيث تخوّف أحد الأساتذة في كليّة العلوم من «أنّ ضرب الشهادة الرسميّة بهذه الطريقة وتكرار سيناريو العام الدراسي الماضي بإعطاء التقدير لمن لا يستحق، أدّيا إلى وصول طلاب ينتظرون النجاح بكلّ سهولة، في حين أنّ المستوى التعليمي في الجامعة هو ذاته، والمواد لم تُخفف، ولا تراعي التقليص الحاصل في المنهاج المدرسي».