هل يعود طابور الدواء إلى المشهد مجدّداً؟
يبدو أنّ أزمة دواء على الأبواب، هذا ما تقوله إحدى الصيدلانيات لدى سؤال أحدهم لها عن أحد ال#أدوية. فعلاً، لا توجد جميع الأدوية في الصيدليات، وهذا الأمر بشهادة الكثيرين، الأمر الذي يدفع إلى السؤال مرة أخرى: هل يعود طابور الدواء إلى المشهد مجدداً؟
يقول نقيب مستوردي الأدوية جوزيف غريّب في حديثه لـ”النهار”، إنّ “المشكلة تقع على الأدوية المدعومة والأمر يعود إلى الفترة التي تغيّرت فيها حاكمية مصرف لبنان، بحيث توقّف مصرف لبنان عن دفع مستحقات مصنّعي الأدوية في الخارج”، ما أحدث قلقاً وعدم اطمئنان لدى هذه الشركات، إذ “حتى الآن، لا تزال أموالها المستَحقة لدى مصرف لبنان وهي حوالي 174 مليون دولار، غير مسدَّدة، ومن غير المعروف كيف ستُعالج شحنات الأدوية المستقبلية”.
في هذا السياق، وضع وزير الصحة هذا الملف على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الأسبوع المقبل لتخصيص مبلغ لوزارة الصحة بهدف تغطية الأدوية المدعومة شهرياً لفترة ثلاثة أشهر، و”نقابتنا بانتظار ما ستقرّره الجلسة من مبلغ ومن فترة زمنية، والوزير بصدد طلب مبلغ 35 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة للبنان، لكن برأينا، هذا القرار وإن أُقرّ لدى مجلس الوزراء، لا يحل المشكلة على المدى المنظور، لكن يؤمّن شحنات وقتية لمدة شهر أو شهرين إلى الأمام”.
لكن ما ينادي به غريّب، هو “تغيير طريقة وشكل الدعم، فالدعم بشكله الحالي لا يمكن أن يدوم وعلى المسؤولين اتخاذ القرارات المناسبة لنقل الدعم من دعم السلعة إلى دعم المريض، وبذلك لا يشهد السوق انقطاعاً من هذه الأدوية، ومَن هو مقتدر على التغطية الاستشفائية ليس بحاجة إلى بطاقة صحية مدعومة ولا إلى أدوية مدعومة”.
ويؤكّد غريّب أنّه “ما دام استيراد الأدوية المدعومة مرتبطاً بآليّة غير مستدامة ورهينة قرار مجلس الوزراء كل فترة وجيزة، بطبيعة الحال سيبقى المرضى الأكثر تأثراً وهم مرضى السرطان، في مهبّ الريح، لا سيما أنّ مصرف لبنان ممتنع عن الاستمرار في آلية الدعم”.
وفيما كانت وزارة الصحة تؤمّن الجزء الأكبر من أدوية أمراض السرطان والأمراض النادرة، كانت هذه الخطوة تجري بشكل شهري دون وجود مخزون استراتيجي، أي إنّ كل شحنة من الأدوية مرهونة بتوفر الأموال، وبات الآن المصنّعون في الخارج يفضّلون التعامل مع بلدان أخرى لتصدير أدويتهم، بحسب غريّب.
أمّا عن الأدوية غير المدعومة، فلا مشكلة فيها، إذ رُفع الدعم عن معظم الأدوية الموجودة في الصيدليات و95 في المئة من الأدوية التي تُباع في الصيدليات، وحركة استيراد هذه الأدوية شبه طبيعية وما كان مقطوعاً منها سيعود إلى الأسواق. فللمستوردين مصلحة في استيراد الأدوية، وهذه وظيفتهم، وفق غريّب.
نقيب الصيادلة في لبنان جو سلوم وفي حديثه لـ”النهار”، يوضح أنّ “المشكلة الكبرى اليوم بانقطاع الأدوية التي لا تزال مدعومة جزئياً أو كلياً من الدولة من الأسواق اللبنانية، ولا سيما أدوية الأمراض السرطانية والأمراض المستعصية كالتصلّب اللويحي وغيرها، ولا أموال للدعم، لكن معظم الأدوية التي رُفع عنها الدعم أصبحت متوفرة”.
وتحتاج أدوية الأمراض السرطانية والأمراض المستعصية ما بين 50 إلى 60 مليون دولار شهرياً لتغطيتها والدولة كانت توفّر لها 25 مليون دولار فقط، من حقوق السحب الخاصة بلبنان، “لكن اليوم ليس معلوماً كم النسبة التي ستتمكّن الدولة من توفيرها من الـ25 مليون دولار، فالتصرّف بحقوق السحب الخاصة هو أمر مرتبط بقرار من الحكومة”.
وبحسب سلوم، 50 إلى 60 في المئة من هذه الأدوية غير متوفر، ومرضى السرطان يضطرّون إلى توقيف علاجهم أو الانتقال إلى بروتوكولات علاجية أخرى، والأخطر من ذلك، ما يُتداول عن وجود أدوية أقلّ وجودة يتناولها هؤلاء المرضى، “لكنّهم ليسوا حقل تجارب وعلينا أن نحافظ لهم على نوعية الدواء بنفس الجودة ومن مصادر معروفة”. وبرأيه، “يجب وضع سياسة دوائية مستدامة مثل البطاقة الصحية أو توحيد الصناديق الضامنة ووضع خطة متكاملة والدعوة إلى مؤتمر للمانحين لسياسة دوائية مستدامة، من هنا ناشدنا لأن تعقد طاولة الحوار لكي تولي موضوع الدواء الأهمية القصوى”.
ويذكر سلوم أنّ كثيراً من الأدوية المفقودة متوفر في السوق السوداء ونحو 30 إلى 40 في المئة من الأدوية التي تدخل الأسواق اللبنانية مهرَّبة، وقسم كبير منها مزور أو منتهي الصلاحية أو متلاعَب بطريقة صلاحياته، وذات أسعار مرتفعة. إضافة إلى ذلك، تنتشر الصيدليات والمستوصفات غير الشرعية، حيث تُباع هذه الأدوية.
وكانت وزارة الصحة قد أصدرت تطبيق MEDLEB منذ بداية العام لمعرفة سعر الدواء وبدائله المتوفرة في ظل أزمة انقطاع الدواء. ويقول سلوم في هذا الإطار إنّ هذا التطبيق مستخدَم من قِبل الكثيرين ولاقى فعالية نوعاً ما لإظهاره مزيداً من الشفافية ولكونه وسيلة بيد المريض.
النهار