اقتصاد

بعد صيرفة… لما لا تكون بورصة بيروت هي الحل؟

من يقرأ بين السطور يرى بأن الحاكم بالإنابة الدكتور وسيم منصوري قرر أن يعكس المسار، أقله من ناحية الشفافية ومصارحة العموم بعد أن أدرك الجميع بأن إدارة السياسة النقدية لا يمكن أن تستمر عبر الطرق المحاسبية المبتدعة أو الهندسات أو المنصات كما كانت تدار في السابق. مع أخذ القرار بعدم جواز الاستمرار بتوزيع أموال المودعين على المستفيدين من صيرفة، تُطرَح اليوم فكرة تداول الدولار كما كان يجب أن يكون منذ بداية الأزمة، عبر سوق حرة لا تخضع لأساليب مصطنعة بددت المدخرات دون أن تؤول إلى النتيجة المرجوة، لا بل فاقمت من أزمة الدولار فارتفع ٦٠ ضعفاً في ٤٢ شهرا فيما لم يرتفع إلا ١١ ضعفاً خلال الفترة عينها من الحرب. رغم الحرب وشوائبها، كان يتم تداول الدولار بطريقة طبيعية، شراءً وبيعاً عبر المصارف وكان دور الصيارفة يقتصر على فترات بعد الظهر وأيام الإقفال. كان المصرف المركزي يتدخل بائعاً وشارياً عبر المصارف (وليس عبر الصيارفة) كلاعب رئيسي دون أن يمس بأموال المودعين ولو بدولار واحد. يجري الحديث اليوم عن العودة إلى الوسائل التقليدية ولو بعد تأخّر دام ٤ سنوات بعد أن أثبتت الطرق المبتدعة في السنوات الأخيرة عقمها ونتائجها الكارثية.


من المنصات المطروحة حالياً منصات عالمية أثبتت فعاليتها عبر السنين وهي عديدة، وقد كان لي شرف التعامل معها في مواقعي السابقة كرئيس لبورصة بيروت وبعدها كأمين عام لاتحاد البورصات العربية. من اللافت أنّ الانطباع لدى الرأي العام كان يميل إلى الاعتقاد بأن التعامل مع سوق القطع هو مرتبط بشخص الحاكم السابق وأنّ التعامل مع منصات عالمية يتطلب فترة طويلة من الزمن لوضعها موضع التنفيذ في لبنان. لكننا ننسى أو نتناسى بأنّ لبنان مجهّز بمنصة تعمل بنظام تداول عالمي اسمها “بورصة بيروت”.

بحكم ترأُسي لهذه البورصة لفترة عشر سنوات، أستطيع أن أجزم بأنّ هذه المنصة قادرة على تأمين التداول الطبيعي بالدولار عبر طرق شفافة وسهلة وفي فترة قصيرة جداً. فما هي إيجابيات الطرح الذي يمكن أن يستفيد منه المصرف المركزي بتعاونه مع بورصة بيروت ومع المصارف في هذا المجال؟

1- يتم التداول حالياً في بورصة بيروت بعدد من الأسهم ومنها سوليدير ولا شيء يمنع من أن يتم إدراج الدولار عليها ليتم تداوله مقابل الليرة كأي أداة مالية أخرى (وهذا ما يؤكده أيضاً تقنيو الإدراج والتداول في البورصة).


2- إن خصوصيات سوق الدولار في لبنان تتطلب تعديلات كبيرة على المنصات العالمية قد تأخذ وقتاً لا يستهان به كما تتطلب فترة تجربة وتدريب قد تطول، فيما بورصة بيروت مربوطة بعدد لا بأس به من المصارف التي تدرّب موظفوها على مدى عقود من الزمن على استعمال تقنياتها دون أي شوائب، فلا حاجة إلى إضاعة الوقت بفترات من التدريب والاختبار.


3- شفافية الأسعار والتداولات الفعلية المعلنة عبر شاشات بورصة بيروت وموقعها الإلكتروني كما وعلى المنصات العالمية المربوطة بها (رويترز، بلومبرغ، …) تقلّص إلى حد كبير دور المواقع الإلكترونية الخاصة التي تتلاعب بمعلومات السوق.

4 – نقل مركزية التسعير من أيدي وتلاعب كبار الصيارفة، المرخصين وغير المرخصين، إلى سوق رسمية مراقبة من قبل مصرف لبنان وهيئة الرقابة على الأسواق المالية في آن معاً.

5 – بورصة بيروت مربوطة بتقنيات اتصال مباشر بالمصارف وشركات الوساطة، وبالتالي لا تتأثر بانقطاع الأنترنت وأعطاله المفاجئة. وهذا ما قد يصعب تجنّبه في حال الاعتماد على المنصات العالمية الأخرى.

6 – يمكن ضمّ أي مصرف أو مؤسسة مالية مرخصة إلى لائحة المتداولين على البورصة بمهلة وجيزة وبتكلفة رمزية.

7 – بورصة بيروت مُلزَمة بالسرية المتعلقة بحسابات المتداولين، كما أن تسوية العمليات تتم في مصرف لبنان وعبر شركة المقاصة التي يملكها. بالتالي تبقى العمليات في نطاقها المحلى حصراً تحت رقابة السلطات اللبنانية.

8 – إتمام العمليات من خلال القطاع المصرفي يعيد قسم لا يستهان به من اقتصاد “الكاش” إلى شروط الامتثال المطلوبة دولياً، كما يساهم بتقليص الكتلة النقدية بالليرة الموضوعة في التداول.


9 – يمكن لبورصة بيروت تأمين التداول بأي من نظامي التداول المستمر Continuous أو التداول بعد تثبيت السعر مرَّة في اليوم Fixing.

10 – تؤمن البورصة الاوروبية “يورونكست” صيانة هذا النظام المصنَّع من قبلها والمستعمل من قبل العديد من البورصات في العالم.

11 – تتكفل حالياً بورصة بيروت، وهي مؤسسة عامة، بتسديد تكاليف الصيانة بعدما سددت ثمن نظام التداول بالكامل في فترات سابقة. بالتالي لن تتحمل الدولة اللبنانية عند تداول الدولار عليه أية تكلفة إضافية.

هذه بعض من الميزات التي يمكن الركون إليها للعودة إلى تسعير الدولار والتداول به في الأسواق الرسمية. فهل يكون الحل بالتعاون بين مصرف لبنان وبورصة بيروت والمصارف؟ علماً بأنّ حرية التداول وتسعيره رسمياً لا يعني لجم سعر الدولار أو تغيير مساره الذي يفترض أن يعكس واقع الاقتصاد، إنما ضبط التلاعب بأسعاره بقدر أكبر بكثير مما كان عليه سابقاً والأمل معقود على الشفافية التي أظهرها سعادة الدكتور وسيم منصوري منذ تسلمه مهامه مؤخراً.

ملاحظة: إن هذا المقال هو جزء من سلسلة مقالات يكتبها الأمين العام ضمن عدد من النشرات الدورية لجمعية مصارف لبنان وهي تمثل رأيه وتحليله الشخصي للمستجدات، دون أن يُلزِم الجمعية بمضمونها الذي يبقى على مسؤولية الأمين العام وحده. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى