هل إعادة أموال المودعين فعلاً ليست مستحيلة؟
على عكس المسار السابق الذي سلكه مصرف لبنان في ما يتعلق بأموال المودعين، فاجأ حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري بتصريح قال فيه إنّ “إعادة أموال المودعين ليست أمراً مستحيلاً، وسنعمل على وضع إطار قانوني لها في أسرع وقت. ولا يمكن إعادة الثقة بالقطاع المصرفي إذا لم تتم إعادة أموال المودعين”. لكن كلام منصوري حمل جدلاً وآراء متضاربة بين أصحاب الاختصاص والمعنيين في ما يتعلق بإمكانية تنفيذ هذا الوعد الذي أطلقه أم لا.
الرأي التقني الأول والذي يمكن اعتباره “إيجابياً”، جاء على لسان الخبير الاقتصادي الدكتور بيار الخوري. ففي حديثه لـ”النهار” قال: “القيادة المصرفية في لبنان فقدت ثقة المودعين فيها، وعليها تنفيذ أمرين معاً لاستعادة أموال المودعين: إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتعويم الليرة، بما يسمح بإعادة سداد طويل الأمد للودائع بقيمتها الحالية”. ووضع القطاع المصرفي على السكة من جديد لا يكون باسترداد الودائع ولا يمكن لأي قطاع مصرفي رد ودائعه، فالعمل المصرفي يقوم على الإيداع والسحوب.
ويوضح الخوري وجهة نظره “أنه بمجرد تعويم الليرة والتوقّف عن اعتماد سعر ليرة للودائع وسعر ليرة للسوق السوداء، أي تعدّد في أسعار الصرف، يمكن حينها سحب كل دولار من المصرف بقيمته الحقيقية وبحسب سعر الصرف العالمي”.
وأسعار صرف الودائع منذ الأزمة وحتى اليوم مرت بأسعار متعددة، لكن سعر 15,000 ليرة كان سعر ليلرة الودائع. لكن الاتجاه العام في البلد الآن، وفق الخوري، هو توحيد سعر الصرف لأنّ هذه الأسعار المتعددة خلقت تشوّهات في النظام الاقتصادي اللبناني، وكان هذا الأمر جزءاً من إعادة توزيع الدخل الذي حدث بعد الأزمة.
لكن على مستوى آخر “عندما تصبح قيمة الودائع عائمة لن يتحمّل القطاع المصرفي دفع ودائع ضخمة وإن تلَيلَرت، دون أن ينهار”، بحسب الخوري. فعملياً، ولدى اتخاذ قرار بتعويم سعر الليرة، يجب أن يترافق مع تقسيط طويل الأجل لقيمة الودائع، عبر وضع تقديرات بما يمكن أن تعيده ال#مصارف سنوياً، والقيمة المحدَّدة توزَّع على الودائع، وبذلك يؤمن الناس على ودائعهم أكثر، وبالتالي تصبح الحاجة إلى سيولة لدفع الودائع أقلّ. ومع الوقت تقوم المصارف بعملية رد لأموال الودائع بقيمتها الحقيقية لكون سعر الليرة أصبح معوَّماً وتلغي الهيركات ويتراجع الطلب على سحب الودائع.
ويؤكد الخوري أنّ تعويم الليرة أمر من السهل على الدولة القيام به بعد ما عوّمت الضريبة على القيمة المضافة والدولار الجمركي وغيرهما، “فاليوم الفارق بسيط ورمزي بين سعر منصة “#صيرفة” وسعر الدولار في #السوق السوداء، فهذا الفارق يدلّ على أنّنا نحتاج إلى خطوة بسيطة لتعويم سعر الليرة”.
من جهتها، وفي رأي يذهب إلى “السلبية” أكثر، ترى المتخصصة في الاقتصاد النقدي الدكتورة ليال منصور في حديثها لـ”النهار”، أنّ “الحاكم منصوري يتحدّث انطلاقاً من خلفيته القانونية، لكن بالتطبيق، أستبعد وأشك بقدر كبير بإمكانية تنفيذ هذا الأمر بالقانون”.
وليس هناك في العالم أموال أو ودائع استُعيدت بالقانون وهناك أمثلة عديدة باستعادة المودعين لأموالهم بالقوة عبر الهجوم على منازل المسؤولين والرؤساء، والأمثلة كثيره مثل تونس والسودان وغيرها، و”استرداد أموال المودعين بالقانون هي طريقة نظرية بحتة”، وفق منصور.
وعلى غرار ما حدث في دول عديدة أوقفت السلطات المسؤولين الفاسدين وحاسبتهم وسجنتهم وصفّت ممتلكاتهم وحجزت على أموالهم، برأي منصور، “قد يكون هذا باباً لاستعادة الأموال، لكن لا يمكن وعد المودعين باسترداد أموالهم غير الموجودة بالأساس، وكلام منصوري مبني على رؤية تفاؤلية”.
لا حلّ موحَّداً بالقانون
في سياق متصل، وفي حديثها لـ”النهار”، تعلّق الأستاذة الجامعية والمستشارة القانونية الدكتورة سابين الكيك على فكرة عدم استحالة استرداد أموال المودعين بشكل “إيجابي” بقولها: “إذا كان استرداد هذه الأموال مستحيلاً يعني ذلك إنهاء القطاع المصرفي في لبنان، إذ لم يسبق أن جرى في أي بلد في العالم أن توقّف قطاع مصرفي برمّته عن إعطاء أموال المودعين لأصحابها”.
وتقول الكيك إنّ الذهنية السائدة في الأجواء السياسية والمصرفية اليوم، هي بناء حدّ فاصل بين مرحلتين في لبنان: مرحلة ما قبل الأزمة واعتبارها انتهت، ومرحلة ما بعد الأزمة، “لكن هذا الأمر هو شبه مستحيل”. فالودائع هي تراكم تعب الناس ولا يمكن وضع حد فاصل فيها، لذلك لا يجب أن يكون استردادها مستحيلاً، لا سيما وأنّ باستحالة استردادها، لن تُستعاد الثقة بلبنان أبداً، وكلام منصوري هو كلام رجل حقوقي بالدرجة الأولى”.
وبنظر الكيك، “لا حلّ موحَّداً بالقانون في هذا الإطار، فلكل مصرف وضعية تختلف عن الآخر، ويجب استرداد أموال المودعين بالقانون، لكن هذا الأمر مرتبط بالمحاسبة والمساءلة”.
وإذا كان التوجّه هو شطب كل الودائع ما قبل الأزمة واسترداد فقط ما بعدها، “لن تُسترد أموال المودعين بهذه الطريقة، وهذا ما يحاولون التسويق له، إذ يعتبرون أنّ الأموال القديمة تبخّرت وعلينا إيجاد سبل لخلق أموال جديدة لردّها للمودعين عبر الصناديق متعددة الأسماء التي يطرحونها، لكن هذا طرح غير دستوري وغير مقبول حقوقياً ولا يردّ أموال المودعين”.
النهار