كثُرت التحذيرات من المادة 22 في مشروع موازنة 2024، خاصةً لناحية تعمّد السلطة السياسية إلى إستغلال الودائع العالقة في المصارف بالتعاون مع السلطة النقدية والمصرفية.
ولإستيضاح الصورة حول ما تحمله المادة 22، يؤكّد الخبير في المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد محمد فحيلي في حديثٍ لـ”ليبانون ديبايت”، أنّ “الإجراءات الإستثنائية التي تظهرت في المادة 22 من مشروع موازنة 2024 هي نتيجة سنوات طويلة من سوء الإدارة في المالية العامة وليست تشريع للهيركت (haircut) على الودائع”.
ويوضح أنّ “اليوم سعر صرف الدولار المحلي (اللولار) عند السحب هو 15000 ليرة لبنانية بقرار من المجلس المركزي لمصرف لبنان أُخذ برئاسة الحاكم السابق رياض سلامة ولم يُسجّل أي إعتراض من أعضاء المجلس المركزي، لا من قبل نواب الحاكم الأربعة ولا من قبل الأعضاء الآخرين، لذلك يجب الإشارة هنا إلى أنه من الصعب جداً، وقد يكون من المستحيل تحديد سعر صرف الدولار المحلي في أرصدة هذه الحسابات لأن السعر يحدّد فقط عند السحب”.
ومن هنا، يُشدّد فحيلي على أنّه “يجب رفع الصوت والتلسيط على أمر جدًا مهم لا السلطة النقدية ولا السلطة السياسية أعطت إهتمام له وهو حسابات المتقاعدين الذين لا يملكون أي مصدر لتمويل فواتير الإستهلاك إلّا من خلال حساباتهم المصرفية وهناك قسم كبير منهم لا يستفيد من تعميم 158، لذلك يجب الإهتمام في هذا الأمر من قبل السلطة النقدية والسياسية”.
وعليه، يؤكّد فحيلي أنّ “الموازنة تُقَر بموجب قانون من قبل المجلس النيابي أي السلطة التشريعية، ليصبح القانون نافذًا عند نشره في الجريدة الرسمية، وفي مشروع الموازنة أعطت الدولة صاحب الوديعة بالدولار المحلي “خيار” إستعمال رصيد هذه الوديعة أو جزء منه:
– لغاية معينة (تسديد إلتزامات للدولة – ضرائب)
– وضمن ضوابط محددة (لسنوات معينة وبإعتماد سعر صرف معين لهذه الدولارات)، ولم تُجبره على إستعمال هذه الأرصدة”.
وإذْ يسأل: “أين الجريمة في هذا الإجراء، وخصوصاً إذا تم مقارنة هذا الإجراء بالجرائم العديدة التي إرتكبتها مكونات السلطة السياسية خلال سنوات سابقة وهي مستمرة حتى يومنا هذا”.
ويشرح فحيلي، أنّه “في المادة 22 من مشروع موازنة 2024، الدولة أعطت المواطن “خيار” إستعمال أرصدة حساباته بالدولار المحلي لتسديد ضرائب (ولن تجبره على ذلك) مع إحتساب سعر صرف يوازي 40% من السعر المعتمد على منصة صيرفة حالياً، وهو 85500 ليرة، أي ما يساوي 34200 ليرة للدولار الواحد، وهو اكثر من ضعفي السعر الرسمي المعتمد من قبل مصرف لبنان وفي بعض المعاملات الرسمية”.
ويذكّر بأنّ “رئيس لجنة الإدارة والعدل، النائب جورج عدوان، قال أن المجلس النيابي هو السلطة صاحبة الإختصاص في تحديد سعر صرف الدولار في المعاملات الرسمية وليس مصرف لبنان، والمادة 22 من مشروع الموازنة تصبح قانونًا فقط عند إقرارها من قبل الهيئة العامة لمجلس النواب وليس لمجرّد إدراجها مادة في مشروع الموازنة العامة”.
ويُشير إلى أنّه “في المقلب الآخر، الكلام عن أنه لا يحق للدولة التصرف بالأصول المملوكة من قبل المواطنين ليس دقيقًا، وإذا كان القرار أو الإجراء يعود بالمصلحة والمنفعة العامة، يحق للدولة التصرف بالأملاك الخاصة للمواطنين شرط إعتماد العدالة في تقييم هذه الأصول عند إستملاكها، لطالما إستملكت الدولة أراضي خاصة، ولن تكون الودائع خارح إطار هذا المنطق”.
ويُردف: “قد يكون لإعتماد سعر الصرف في السوق الموازي عند السحب من حسابات الدولار المحلي لتسديد الضرائب تداعيات تضخمية وفي ذلك ضرر للمصلحة العامة، وبهذا يكون إعتماد سعر صرف أقل (40% من السعر المعتمد على منصة صيرفة) فيه منفعة عامة ولا جريمة في هذا الإجراء ولا إنتقاص من العدالة”.
ويُشدّد، على أنّ “موضوع قدسية الودائع أصبح للإستهلاك الإعلامي ولا يمت إلى الحقيقة بصلة، حتى أنّ حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري أخطأ عندما تحدث عن “إمكانية إسترداد الودائع” لأن المكان الطبيعي للودائع هو الحسابات المصرفية، ومسؤولية مصرف لبنان المحافظة على سلامة المصارف حتى يطمئن المودع على أمواله”.
وينبّه فحيلي، قائلًا: “إذا لم يكن هناك عدالة في طريقة تسديد الضرائب سيكون هناك إستنسابية كبيرة في تطبيق المادة 22 من قبل القطاع المصرفي، ويجب إتباع آلية تطبيقية عندها يمكن معرفة إذا كان هناك أي إستغلال لهذه المادة، لذلك عندما تذهب إلى الهيئة العامة لمجلس النواب يجب أن تترافق بتوضيحات كي نتأكد إن كانت تحمل إجحافًا بحقّ المواطن، هناك الكثير الأسئلة لا أجوبة عليها حتى الآن”.
ليبانون ديبايت