كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”: أزمة الدواء المزوَّر والمهرَّب ما زالت تتفاعل تباعاً. ذلك في ظلّ غرق المعنيّين والمسؤولين بغيبوبة شبه تامة، حيث لم يَعُد خافياً أن هناك، ربّما، من يتقصّد إشعال فتيل الأزمة على حساب صحة المواطن. نقابة الصيادلة مستمرّة في رفع الصوت وتعمل جاهدة لاجتراح الحلول. لكن، على من تُقرأ المزامير؟
نقيب الصيادلة، جو سلوم، يناشد مجدّداً. وقد شدّد، عبر «نداء الوطن»، على ضرورة إقرار المراسيم التطبيقية للوكالة الوطنية للدواء وتفعيل المختبر المركزي لأن ما يحصل لم يَعُد بريئاً. وإذ اعتبر أن لبنان، في ظلّ الأزمات المتناسلة، لا سيّما في القطاع الصحي وتحديداً الدوائي، أحوج ما يكون إلى مؤسسة مستقلة تعمل بشفافية. ذكّر بأهمية مراقبة عملية تسجيل الدواء وإعطاء التراخيص والحفاظ على نوعية وجودة الأدوية الموجودة في الأسواق وتتبّعها.
وأضاف:
«نحن بحاجة إلى مؤسسة تعمل باستقلالية، وقد نصّ قانون إنشاء الوكالة الوطنية للدواء على أن يتمتّع العاملون فيها والمسؤولون عنها باستقلالية تامة. وأن يكونوا من أصحاب الاختصاص، كأطباء وصيادلة ومحامين ومهندسين وسواهم. يعيَّنون بعد خضوعهم لامتحانات مجلس الخدمة المدنية».
الوكالة الوطنية للدواء التي أُنشئت في كانون الأول 2021 هي اليوم على مشارف ذكرى تأسيسها الثانية. ورغم ما لاستقلاليتها من أهمية على نوعية وطابع عملها، لم تبصر النور حتى الساعة. فلمصلحة من تصبّ هذه «الفرملة» إذاً؟
«من شأن الإصرار على عدم تفعيل الوكالة أن يزيد الفوضى والتفلّت في سوق الدواء. وهذا ما يخدم كل مستفيد من تهريب الأدوية وتزويرها وإدخالها إلى لبنان بمواصفات لا تراعي الجودة والمعايير». يجيب سلوم. اللبناني، بأمنه الصحي وجيبه، يبقى في مهبّ مواجهة الأمرّين في معرض بحثه عن الدواء، إن وُجد. فأين تقع مسؤولية وزارة الصحة ولِمَ التقاعس عن القيام بدورها؟ سؤال آخر توجّهنا به إلى سلوم الذي فضّل عدم الدخول بتسمية أطراف معيّنين. «نحن نشرح مأساة فعلية يعيشها اللبناني. ونؤكّد على ضرورة بدء العمل بالوكالة الوطنية. وبالتالي يكون كلّ فريق مسؤولاً بمقدار سلطته عن هذا الموضوع. نحن لسنا سلطة قضائية أو مضبطة اتّهام. لكننا نجزم بأن هذا هو الحل الواقعي والمثالي الوحيد، ولتتحمّل كل جهة معنيّة مسؤوليتها».
النقابة يتيمة
«يد واحدة لا تصفّق»، وفق جو سلوم، الذي اعتبر أن الضمير الأخلاقي والإنساني يحتّم على النقابة رفع الصوت وقول الحقيقة. «لكن إلى أين سنصل؟ يتعلّق الأمر بالقدرات والظروف التي تساعدنا. لقد تخطّينا دورنا في الكثير من الأماكن. بما خصّ الوكالة الوطنية، نحن ننادي ونمارس الضغط الإعلامي. وبما يخصّ تهريب وتزوير الدواء، توجهنا إلى النيابة العامة المالية- كما الاستئنافية- وأخذنا صفة الادّعاء الشخصي ضدّ كل من يقوم بهذه الانتهاكات ملحقاً الضرر بصحة المريض، فتجدنا نقدّم كافة الملفات والمستندات التي بحوزتنا خدمة للتحقيق. كذلك نطلق حملات متتالية، آخرها حملة «ملتزمون» وهي عبارة عن تعهّد من كافة الصيادلة بالالتزام بالتسعيرة الرسمية وبالدواء المسجّل في وزارة الصحة»، والكلام لسلوم.
بالنسبة لمرضى السرطان، قامت نقابة الصيادلة- بالتعاون مع عدّة جمعيات- بتحرّكات وتظاهرات في بعبدا وأمام السراي الحكومي منعاً لرفع الدعم عن أدويتهم. ويلفت سلوم إلى أن أكثر من 50 إلى 60% من مرضى السرطان لا يحصلون على دوائهم حالياً، وفي حال رُفع الدعم نهائياً سيفقد كافة المرضى حق الحصول على الدواء. مع العلم أن أكثر من 60 صيدلية أحيلت إلى مجالس التحقيق لعدم التزامها بالتسعيرة والدواء المسجّل. في حين صدر قرار من المجلس التأديبي بإقفال العديد منها. وفي ذلك كلّه محاولة للحفاظ على هوية لبنان كـ»صيدلية الشرق» كما على صحة المريض وحقه بالحصول على الدواء الجيّد. أو هكذا يُفترض
حذار من الكارثة
نسأل عمّا ينتظر المريض اللبناني في حال استمرّ الوضع على حاله. وإن كان ثمة ما هو أسوأ. متأسفاً، يوضح سلوم أن الأمور، في زمن الفوضى غير المسبوقة. تصبح مشرَّعة على كافة الاحتمالات. الأدوية المزوَّرة تدخل من عدّة بلدان عبر المرافئ الشرعية وغير الشرعية، لتُباع في الصيدليات غير الشرعية وفي الدكاكين وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. أما أدوية السرطان المتوفّرة في السوق السوداء، فمِنها المزوَّر ومنها المنتهي الصلاحية، أما الباقي فمحفوظ بطريقة خاطئة. وهذا القدْر من التفلّت يجعل من الصعوبة بمكان توقُّع حجم الخطورة الكارثية التي تعصف بصحة المريض.
ختاماً، تبقى الرؤية أكثر من واضحة بالنسبة لسلوم: الحل يبدأ بالإرادة والحسّ والضمير الإنساني تجاه كافة المرضى. إطلاق البطاقة الصحية الموحّدة للجميع؛ توحيد الصناديق الضامنة؛ إقرار المراسيم التطبيقية للوكالة الوطنية للدواء؛ ودعم الصناعة المحلية والحفاظ على المكاتب العلمية. «إن لم يكن من بدّ من التمثّل بالدولة التركية، وبدلاً من الاستمرار بتهريب الأدوية المزوَّرة، فلنحتذِ بنموذج آخر أثبت نجاحه هناك. حيث بات أكثر من 98% من الشعب التركي يتمتّع بخدمات مؤسسات ضامنة. في حين أن أكثر من 60% من اللبنانيين متروكون لقدرهم بغياب الجهات الضامنة». اليأس من الحلول يتسلّل… لكن الأوان (لمن يعنيهم الأمر) لم يَفت بعد.