مطار ثانٍ قريبا في لبنان!

عاد الحديث في الآونة الأخيرة عن إعادة تشغيل مطار الشهيد رينيه معوض في القليعات في عكار، ويبدو ان الملف وضع على نار حامية، علما انه ليس بجديد فمنذ سنوات ثمة مُطالبات بإعادة تشغيل المطار نظرا لأهميته الاقتصادية والتنموية في منطقة الشمال ولكونه يُشكّل حلاً لمعضلة الزحمة في مطار رفيق الحريري الدولي.

وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد أعلن مؤخرا تعيين جلسة خاصة لبحث الوضع في مطار بيروت وفتح مطار القليعات الذي يمكنه استقبال طائرات الشحن ورحلات “التشارتر” كمقدّمة لتشغيله وفتحه أمام الطيران المدني ورحلات المسافرين. فهل بدأ العد العكسي لاعادة تشغيل مطار رينيه معوض؟

مدارجه تستوفي الشروط الدولية

تبلغ مساحة مطار القليعات الذي يبعد 7 كلم عن الحدود السورية ـ اللبنانية شمالاً نحو 5.5 ملايين متر مربع منها 3.25 مليون م.م للجزء الجنوبي (المطار) و2.25 م .م للجزء الشمالي (المنطقة الاستثمارية) ويرتبط بشبكة طرق دولية ساحلية وداخلية.

يبعد مطار القليعات نحو 100 كيلومتر عن مطار بيروت. ويؤكد خبراء أن موقعه على ساحل عكار أفضل من سواه، فهو مناسب لحركة هبوط واقلاع الطائرات المتنوعة من دون ان يعيق هذه الحركة التقلبات المناخية لعدم تعرضه للعواصف التي قد تؤثر على حركته، كذلك لا يوجد في محيطه أبنية تعيق حركة الطيران، كما أنه تم تجهيزه بمدرج يستوفي الشروط الدولية طوله 3200 متر وقابل لتطويره إلى 4000 مع وجود مساحات بملايين الامتار حوله لتوسعته ان لزم الأمر، ويُمكن للطائرات الضخمة كـ “بوينغ” و”إيرباص” الهبوط فيه، وتتوافر فيه تجهيزات ومستودعات للوقود وهنغارات للصيانة وقطع غيار وأجهزة اتصال ورادار.

رئيس لجنة متابعة تشغيل مطار رينيه معوض في القليعات حامد زكريا يُشير في حديث لـ “لبنان 24” إلى ان “الخطوة العملية لإعادة تشغيل مطار القليعات تكمن في تشكيل “الهيئة الناظمة للطيران المدني” وبتعيين أعضائها لكي يقوموا بمهام الاعداد لإدارة المطار وتشغيله”،وأسف لعدم تشكيل هذه الهيئة بسبب الخلافات السياسية.

وتطرّق زكريا إلى قرار مجلس الوزراء رقم 481 الصادر عام 2002 والذي يتضمن تشكيل الهيئة الناظمة للطيران المدني، مشددا على ان “هذا الأمر يُعتبر المدخل الصحيح لاعادة تشغيل هذا المطار الحيوي الهام للشمال ولكل لبنان، خاصة بعد وصول مطار بيروت لطاقته الاستيعابية القصوى”.

وأكد زكريا ان “الوقت قد حان لتطبيق القرار بأسرع وقت ممكن مع الأخذ بعين الإعتبار ضرورة الفصل بين التشريع والتشغيل والخروج من دائرة الروتين الإداري الذي يعاني منه القطاع العام”.

وقال: “لن نستطيع تطوير مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت ولا مطار القليعات في الوضع الحالي بدون الهيئة الناظمة”، مشيراً إلى ان “هذا الأمر يحتاج لقرار سياسي ولإرادة لبنانية”، ودعا إلى تطبيق القانون من خلال إنشاء الهيئة الناظمة.

وحذر زكريا من ان “المباني في مطار القليعات تعود لعام 1964 وهي آيلة للسقوط وبالتالي على الدولة اللبنانية اما ان تُعيد بناء المطار من الصفر وهذا الأمر غير ممكن مع ما يعانيه من البلد من أزمات مالية أو ان يتم استثماره من قبل شركة أجنبية”، كاشفا ان “شركات أجنبية أبدت رغبتها في استثمار المطار ولاسيما وان منطقة الشمال من المتوقع ان تكون منصة لإعادة إعمار سوريا”.

وأشار زكريا إلى ان “مطار القليعات يحتاج لنحو 90 مليون دولار لإعادة تشغيله بحسب دراسة وضعتها “المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان” (إيدال) منذ سنوات”.

أما عن الوظائف، فقد لفت إلى ان “تشغيل المطار يتطلب موظفين يتمتعون بالكفاءة اللازمة”، مشيرا إلى انه “يجب التوجيه في الإرشاد الجامعي نحو دراسة علوم الطيران وكل ما يتعلق بها، لأن هذا الأمر حساس ويتطلب خبرة فنية عالية”.

حقائق عن مطار القليعات
يروى وفق معلومات متداولة بشأن تاريخ المطار، أنه ارتبط بحادثة أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) عندما اضطرّت إحدى الطائرات الفرنسية للهبوط في تلك المنطقة، جرّاء عطل تقنيّ. ولكي تستطيع الإقلاع مجدّداً، تمّ استحداث مدرج من قبل الجيش الفرنسي بمعاونة الأهالي.

أنشأه الحلفاء عام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية، كمطار عسكري، ليتحوّل في العام 1960 إلى مطار صغير تابع لشركة “أي بي سي” النفطية، حيث كان يُستخدم لنقل المهندسين والموظفين والعمال بين لبنان والدول العربية، عندها اتخذ طابع المطار المدني.

عام 1966 وضع الجيش يده على المطار حتى سنة 1969 لتدريب طيارين على طائرات الميراج الفرنسية. وفي عام 1968 كان يُعد من أرقى المطارات في المنطقة بعدما جهزه الجيش لاستقبال طائرات “الميراج” فكانت تفي قواعد التدريب كما في فرنسا.

ولجأت الدولة إلى مطار القليعات في أواخر الثمانينات كمطار مدني بعدما تعذر التواصل بين العاصمة وشمال لبنان. فتم تجهيزه بما يؤهله لاستقبال المسافرين وشهد حركة هبوط وإقلاع ناشطة بافتتاح أول خط جوي داخل الأراضي اللبنانية.

وكانت الطائرة الأولى التي استخدمت في المرحلة الأولى من نوع بوينغ 720 تابعة لطيران “الشرق الأوسط” نقلت 16 راكباً من الشمال إلى بيروت، ثم سيرت شركة “الميدل إيست” 3 رحلات أسبوعيًا، وزادتها لاحقاً بمعدل رحلتين يومياً، وحددت سعر التذكرة آنذاك ذهابًا وإيابًا بـ 28 ألف ليرة للدرجة الأولى، و20 ألف ليرة للدرجة السياحية، وقُدرت حينها أعداد المسافرين الذين استخدموا مطار القليعات بنحو 300 راكب يومياً.

وازدادت أهمية هذا المطار عندما أصبح مركزا لانتخاب رينيه معوض رئيسًا للجمهورية في 5 تشرين الثاني 1989 بعد إنتقال النواب إليه حيث شهد هبوط طائرة بوينغ 707، مما عزز جدارة هذا المطار في استقبال طائرات ضخمة. وبعد استشهاد الرئيس معوض غداة عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني 1989 قرر مجلس الوزراء حينها تسمية المطار باسمه، وظلت الرحلات الداخلية سارية فيه حتى أواخر العام 1991.

خلال حرب تموز2006 تعرّض للقصف من قبل العدو الإسرائيلي، مما ألحق أضراراً جسيمة بمنشآته، وتولى الجيش إصلاحها وتأهيله وترميمه.

إعادة تشغيل مطار القليعات سيوفر آلاف فرص العمل لأهالي عكار والشمال ككل وسيفتح آفاقا اقتصادية كبيرة، ولكن أيضا لا يمكن الانكار انه بات هناك حاجة ماسة إلى مطار ثانٍ في لبنان أسوة بدول العالم لتوزيع حركة الطيران وتخفيف العبء عن مطار بيروت، فهو لن يكون بديلا عنه بل سيكون مطارا رديفاً.

المصدر: لبنان 24