قد يكون اسم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الأكثر ثباتًا في “البازار الرئاسي” منذ افتتاحه قبل أشهر، مع بدء العدّ العكسي لانتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، فطيفه كان حاضرًا قبل “تبنّي” ترشيحه صراحةً من “الثنائي الشيعي” وحلفائه، يوم كان الاسم “المستتر” خلف الأوراق البيضاء التي كانت تُرمى في صندوق الاقتراع، بل إنّ هناك من يعتقد أنّه كان “ثابت” منذ انتخاب عون رئيسًا للجمهورية قبل ستّ سنوات.
بقي اسم سليمان فرنجية “ثابتًا” في كلّ المرحل التي مرّ بها الاستحقاق الرئاسي، فكانت المواجهة الأولى بينه وبين النائب ميشال معوض، ولو بشكل غير مباشر، من خلال الورقة البيضاء، لتصبح مباشرة مع إعلان كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري و”حزب الله” دعمه صراحةً، وتستبدل قوى المعارضة مرشحها المُعلَن في مواجهته، بمرشح آخر هو الوزير السابق جهاد أزعور، الذي يبدو أنّه خرج بدوره من السباق نحو قصر بعبدا.
اليوم، ومع تصاعد الحديث عن “خيار ثالث” قد تكون زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الأخيرة أفرزته، بعدما تحدّث صراحة عن “طيّ صفحة” المرشحين السابقين، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام عن “مصير” ترشيح فرنجية، فهل يتنحّى تلقائيًا لصالح “الخيار الثالث”، وهو الذي أكد في أكثر من مناسبة أنه لن يقف “عائقًا” أمام أيّ تسوية، أم أنّه يتمسّك بترشيحه، في كنف معادلة ثالثة، عملاً بمقولة “الثالثة ثابتة”؟!
“معادلة ثالثة”
صحيح أنّ رئيس تيار “المردة”، المبتعد طوعًا عن الإعلام، والمنكفئ عن المشهد، بانتظار نضوج معطيات المشهد الرئاسي، قال في أكثر من محطّة، إنّه سيسهّل التسوية ولن يعطّلها، ولو رست على مرشح مؤهّل للرئاسة غيره، إلا أنّ العارفين يؤكدون أنّ لحظة مثل هذا “الانسحاب” لم تَحِن بعد، وأنّ الرجل لا يزال يعتبر أنّ حظوظه عالية، وتتقدّم على سائر المنافسين، بمن فيهم المرشح المطروح للتوافق، أي قائد الجيش العماد جوزيف عون.
يقول العارفون إنّ السيناريو الأرجح الذي قد يذهب إليه فرنجية ليس الانسحاب في الوقت الحالي، وإنما استبدال معادلتي “فرنجية-معوض” و”فرنجية-أزعور” بـ”فرنجية-عون”، علمًا أنّ المقرّبين من رئيس تيار “المردة” يعتقدون بأنّ هذه المعادلة هي الحقيقية منذ اليوم الأول، باعتبار أنّ المرشحين معوض وأزعور استُخدِما “لملء الوقت” ليس إلا، وربما “للاستهلاك الإعلامي”، بانتظار لحظة الإعلان عن المرشح الجدّي والحقيقيّ، أي عون.
يؤكد المحسوبون على “البيك” أنّ ترشيحه يبقى قائمًا، ولو اختلف المرشحون المنافسون، وتغيّرت المعادلات، فمن تبنّوا ترشيحه لم يفعلوا ذلك كغيرهم لـ”تضييع الوقت”، بل لأنّهم يعتقدون فعلاً أنّه المرشح المناسب للرئاسة، وأنّه يمتلك المواصفات المطلوبة، علمًا أن تثبيت ترشيحه أو إسقاطه لن يتمّ إلا بموجب الحوار الوطني، الذي لا يزال فريق المعارضة يضع العصيّ في دواليبه، فيمنع التوصل إلى “التسوية”.
أسهم عون ترتفع
لكن، فيما يؤكد المحسوبون على فرنجية “ثبات” الرجل على ترشيحه، بل على فرصه في الفوز، بمعزل عن كلّ الأجواء المناقضة، تشير بعض المعلومات الصحافية إلى أنّ أسهم قائد الجيش ترتفع في المقابل كمرشح “تسوية” لا “مواجهة”، فقوى المعارضة تبدو راضية عن أدائه، ولا تمانع انتخابه رئيسًا، فيما أطراف “الخماسية الدولية” المعنيّة بشأن اللبناني تبدو متوافقة “ضمنًا” على دعم وصوله إلى قصر بعبدا، متى دقّت ساعة “التسوية”.
أكثر من ذلك، ثمّة من يعتقد أنّ “حزب الله” نفسه بدأ يرسل إشارات “مبطنة” حول إمكانيّة قبوله بالتفاهم على ترشيح قائد الجيش، وهو ما تجلى في اللقاء الذي جمع الأخير مع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، وإن التقى الأخير فرنجية أيضًا في زيارة أخذت بعدًا “تطمينيًا”، علمًا أنّ الحزب يوجّه منذ فترة غير قصيرة رسائل توحي بـ”مرونة وليونة” في الاتفاق مع سائر الأطراف على مرشح ما، بعيدًا عن منطق “فرنجية أو الفراغ”.
لكنّ المقرّبين من فرنجية لا يتوقفون عند كلّ هذه التفاصيل، مذكّرين بأنّ رئيس تيار “المردة” نفسه لن يتأخّر في الانكفاء متى شعر أنّ هناك فرصة جدّية لملء الفراغ، بمرشح قادر على أن يعطي الرئاسة هيبتها، وهو ما لا يخفيه “البيك” في تصريحاته، ولو كانت قليلة. وإذ يعتقدون أنّ داعميه لن يتخلّوا عنه ما لم يبادر هو إلى الانسحاب طوعًا، يشدّدون على أنّ شروط هذه اللحظة، سياسيًا ووطنيًا، لم تَحِن بعد، وقد لا تحين بالمُطلَق.
حتى الآن، يبدو فرنجية “ثابتًا” إذًا في “معركته”. يقول المحسوبون عليه إنّه “الثابت الوحيد” بين سلسلة “متغيّرات”، ما يعني أنّه المرشح “الأكثر جدّية”. من ميشال معوض إلى جهاد أزعور، وربما إلى جوزيف عون، كان فرنجية جزءًا من كلّ المعادلات، وهو متمسّك بأن يكون كذلك جزءًا من “المعادلة النهائية”، وهو ينتظر أن تميل “رياح التسوية” باتجاهه، فهل يكون “رهانه” في مكانه، أم أن انسحابه “تحصيل حاصل”؟!
لبنان 24