يمضي الملف الرئاسي، في بعديْه الداخلي والخارجي، وسط استمرار الغموض السلبي، إذ عادت تناقضات أطراف الصراع إلى البروز في انتظار اتضاح اتجاهات التسويات في المنطقة، خصوصاً بعدما تبلّغ اللاعبون الكبار في لبنان تحولاً جدياً في الموقف الأميركي – السعودي الرافض للتسوية الفرنسية الهادفة إلى انتخاب سليمان فرنجية رئيساً مقابل اختيار رئيس للحكومة من حصة خصوم حزب الله.
وكعادتها، تصطاد قطر الفرص عندما يعجز المعنيون الأوائل في إنضاج حل. وتشهد بيروت جولة جديدة من الاتصالات يقوم بها موفد قطري في بيروت بحثاً عن المخارج المحتملة لانتخاب رئيس للجمهورية بـ«التراضي» بينَ كل المكوّنات السياسية. وقد وصل الموفد أبو فهد جاسم آل ثاني إلى بيروت الأسبوع الماضي، واستهلّ جولته بلقاء المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل.
وقال مطّلعون من القوى اللبنانية الرافضة لخيار فرنجية إنهم يتفهّمون حقيقة أن قطر، تريد إدارة حوار خاص مع حزب الله، وأن الدوحة أبلغت من يهمّه الأمر بأن لا إمكانية لأي اتفاق من دون تحضير الأرضية مع الحزب الذي من شأنه تسهيل المهمة.
وقد برز من الشوط القطري الأول أن الدوحة تتفادى تكرار تجربة باريس لئلا تصل إلى طريق مسدود، إذ تعمّد الموفد، الذي التقى أيضاً رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، تفادي الحديث المباشر عن مرشحين مطروحين للبحث. ونقلت مصادر مطّلعة على اتصالات القطريين الأخيرة، ما سمته بـ«تراجع احتوائي» من خلال التخلي عن الموقف الذي كانت الدوحة تقوله دائماً، بإعلان ترشيحها قائد الجيش العماد جوزف عون. وفي اللقاءين مع الخليل وباسيل، تحدث القطريون عن خيارات جديدة، ليس بينها رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية «ليس لأن هناك مشكلة معه، بل بسبب موقف الكتل المسيحية الرافضة له». وأكّد الموفد القطري أن «لا أحد متمسكٌ بقائد الجيش، إذا كان اسماً مستفزاً لأحد»، مشيراً الى «أننا مع أي اسم آخر يُمكن أن يكون موضع توافق بين الكتل النيابية»، وكانَ واضحاً أن قطر تحرص منذ فترة على إدراج اسم المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري كواحد من الأسماء التي ارتفعت أسهمها عند القطريين. وبينما قال باسيل إنه مع حوار فعّال من أجل التوصل إلى اسم مشترك، كرّر حزب الله أمام الموفد موقفه المتمسّك بترشيح فرنجية.
وقالت المصادر إن الموفد القطري التقى عدداً من القيادات السياسية نهاية الأسبوع، وقد تقاطعت مصادرها عند قراءة واحدة وهي «عدم إمكانية الدوحة تحقيق أي تقدم على مستوى الملف الرئاسي»، مع طرح عدد من الأسئلة أبرزها: هل انتهى الدور الفرنسي؟ وهل التفويض الخارجي لقطر سيكون كافياً؟ ومن هو الاسم الحقيقي الذي سيحمله موفد الدوحة وبأي شروط، ووفقَ أي ورقة عمل؟
ويستند مطّلعون على نتائج الاتصالات إلى بعض الوقائع التي تقود إلى التقدير بصعوبة إنتاج حل قريب، ومنها:
– لا وجود لأي مستجدات إقليمية ترقى إلى مستوى التفاهم على رئيس في لبنان، وبالتالي فإن الدور القطري يبقى أداء تكتيكياً لن يختلف عن الفرنسي في شيء، إلا في حال توافر بيئة خارجية مؤاتية.
– إن جدول الأعمال الذي يتحرك في إطاره الموفد القطري، يقوم على ضرورة التوصّل إلى مرشح تسوية من دون انتظار الخارج، وهو طرح غير واقعي، خصوصاً أن ما من طرف أساسي في لبنان يعتبر نفسه محشوراً للتنازل عن مرشحه أو سقوفه العالية.
– اتكال الدوحة على استغلال قدراتها السياسية والمالية لإقناع الجهات والشخصيات بالتسوية أملاً بدور شبيه بالذي لعبته عام 2008. فحتى لو سارت الكتل الأخرى في مرشح ثالث يبقى التفاهم مع حزب الله هو الأساس. وهذا ما يعرفه القطريون ويتصرفون على أساسه.
وريثما تتضح طبيعة المحادثات التي يقوم بها الجانب القطري والتفاهمات التي يحاول أن يجريها خلف الأبواب الموصدة لتحضير الأرضية أمام وفد قطري آخر على مستوى أعلى سيزور بيروت، علمت «الأخبار» أن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سيلتقي« أبو فهد» هذا الأسبوع متمسّك بمبادرته وسيدعو مطلع الشهر المقبل إلى الحوار، بمعزل عن المواقف المعترضة.
الأخبار