هكذا دمّرت الدولة القطاع المصرفي!
في 17 تشرين اول 2019، دخل القطاع المصرفي اللبناني في نفق المجهول. فبعد إقفال لأيام طويلة نتجت عن حراك بعض اللبنانيين الغاضبين من تردّي الأوضاع الإقتصادية، فتحت المصارف ابوابها لكن كان كل شيء قد تغيّر، اذ بدت معالم الكارثة تتضح، ففي ظل قلق كبير من إنهيار دراماتيكي للعملة الوطنية وشح الدولار، طفى على السطح الحديث عن ضياع الودائع.
منذ 2019 حتى 17 تشرين اول 2023، لم يُتخذ اي إجراء مهم وجدي لمنع تصدّع هذا القطاع الأساسي والحيوي للإقتصاد، لا بل ارتكبت تجاهه خطايا بالجملة منعته من إستعادة دوره وصورته الصلبة التي كانت قد صنعت وجه الاقتصاد اللبناني.
وفقاً للكاتب والخبير الإقتصادي إنطوان فرح “يستدعي الحديث عن الخطايا التي ارتكبت تجاه القطاع المصرفي المرور على مرحلتين، مرحلة ما قبل الإنهيار أي حتى أواخر العام 2019 ومرحلة ما بعد الإنهيار”.
واكد فرح في حديث لموقعنا Leb Economy انه “في مرحلة ما قبل الإنهيار حصلت أخطاء متراكمة أوصلتنا للإنهيار، وهذه الأخطاء لا يتحمل مسؤوليتها طرف واحد فليست الدولة المسؤولة الوحيدة عما حصل أو مصرف لبنان أو المصارف، وكما كنا نقول دائماً “هذه المسؤولية هي مسؤولية مشتركة بين هذه الأطراف الثلاثة الأساسية”.
ولفت إلى أنه “تراتبياً تعتبر الدولة اللبنانية المسؤول الأول عن الإنهيار، يليها المصرف المركزي ومن ثم المصارف. علماً أن البعض يعتبر أن المودعين في جانب معين لديهم جزء بسيط من هذه المسؤولية”.
وأوضح فرح أن “الدولة كانت تسمح لنفسها خلال تلك الفترة بإستخدام أموال المودعين المودعة من قبل المصارف في مصرف لبنان، فكانت تنفق هذه الأموال وتبددها في حين لم يكن المجتمع مدرك لهذا الواقع”.
واشار الى ان “مسؤولية مصرف لبنان تتمثّل بإنه كان يعلم بالمبالغ التي تأخذها الدولة ولا تعيدها، وكان على الدوام يطمئن المصارف بأن الأموال مؤمنة وكذلك توظيفاتها، زاعماً بأنه يعيد توظيفها في المصارف المراسلة وأن الأموال مضمونة وفي مكانها الصحيح. هذه التطمينات كانت تعطي المصارف جزء من الطمأنينة بأن توظيف الأموال لا يزال في المكان الصحيح لا سيما أن مصرف لبنان هو مصرف الدولة والدولة مسؤولة عنه”.
وقال فرح “المصارف مسؤولة أيضاً، فهي كانت تستشعر الخطأ وتوجه الأسئلة دائماً الى مصرف لبنان عن ايداعاتها. وبإعتقادي كان يجب أن لا يكون لدى المصارف هذه الكمية من التوظيفات في مصرف لبنان، مع الأخذ بالإعتبار أن قسم من التوظيفات التي كان إلزامياً حيث كان يصدر المركزي تعاميم يجبر من خلالها المصارف على إيداع أموالها لديه”.
وإعتبر أن “الخطيئة المميتة والكبيرة تجاه القطاع المصرفي كانت بعد الإنهيار، حيث ان الدولة ومصرف لبنان هما المسؤولان الوحيدان عما حصل في تلك المرحلة، اذ كان هناك حوالي 33 مليار دولار كإحتياطي عملات اجنبية في مصرف لبنان وجرى تبديدها من قبل الدولة اللبنانية ومصرف لبنان على الدعم وسد العجز لدى الدولة”، مشدداً على ان “الفترة الأصعب من الإنهيار هي مرحلة ما بعد الإنهيار وإدارة الأزمة، وتتحمّل مسؤوليتها الدولة وحدها ومصرف لبنان”.
وأكد فرح أن “الخطيئة الثانية التي تُرتكب تجاه القطاع المصرفي هي الإنكار الذي لا تزال تمارسه الدولة بدلاً من تحملها مسؤولية إنفاق الأموال وبحثها عن طريقة للإلتزام بدفعها أو دفع جزء منها على الأقل لتسهيل بدء إعادة إنطلاق القطاع المصرفي. فالدولة حتى يومنا هذا تساهم في ضياع الوقت، فقد مرّ 4 اعوام على الإنهيار، في وقت تؤكد المؤشرات ان الوقت سيطول وبالتالي لن يكون بإستطاعة القطاع المصرفي إستعادة دوره”.
ولفت إلى أن “الإقتصاد يخسر بغياب القطاع المصرفي، فكل الأموال العائدة من القطاع السياحي وغيرها من الأموال التي دخلت لبنان في موسم الصيف لا تخدم الإقتصاد. فالأموال التي تدخل للقطاع المصرفي يُعاد ضخها في الإقتصاد، ولذلك غياب دوره يحمل خسارة كبيرة جداً للبلد تتحمل مسؤوليتها الدولة”.
وشدد فرح على أن “مسؤولية الدولة تجاه تعطّل دور القطاع المصرفي بعد الإنهيار أكبر بكثير مما كانت عليه قبله، اذ يجب على الدولة تحمل مسؤولياتها والمسارعة في معالجة الأزمة من خلال الإعتراف بالخسائر وبالإنفاق التي قامت به وبديونها، وتحديد ما يجب إعادته من هذه الديون لمعرفة ما سيعود من حقوق المصارف والمودعين، وبالتالي يجب البدء فوراً بإعادة إحياء القطاع المصرفي ليستعيد دوره ويسير الإقتصاد على السكة الصحيحة”.
Leb Economy