أين أصبح مطار القليعات… العائق السياسي انتفى؟
مطلع شهر أيلول الفائت، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن ثمة جلسة حكومية قريبة، للبحث في تحسين مطار بيروت وإعادة تشغيل مطار القليعات. يومها، قيل إن الجلسة ستكون الأسبوع المقبل، أي كان يُفترض أن تنعقد بحلول منتصف الشهر الماضي. وحتى الساعة، لا جلسة ولا حتى دعوة الى جلسة لمجلس الوزراء!
بالامس، ومع ازدياد الخوف من تعرض مطار بيروت للقصف الاسرئيلي وتعطيل العمل به، طرح في مجلس الوزراء موضوع استعمال مطارات رديفة وفي طليعتها مطار القليعات الذي يعاد الكلام عنه كل فترة من دون ان يشهد اي تقدم، في ظل ما يحكى عن رفض “حزب الله” وجود مطار ثان لا يخضع لرقابته ويخرج جغرافيا عن وصايته.
فما هي إشكالية مطار القليعات التي باتت “كالدوامة الفارغة”، إذ في كل مرة نعود لنطرح من جديد مسألة تشغيل المطار، وتقوم “همروجة”، وسرعان ما تبهت ويعود الموضوع الى النسيان مجدّداً!
هل بالفعل ثمة عائق سياسي في عدم تشغيل المطار؟ أم الجوانب التقنية – العملية هي التي تحول دون إعادة التشغيل، ولا سيما في ظل الظروف المالية الصعبة للبلاد؟ أم ثمة جهود حقيقية حالياً لإعادة الموضوع، للمرة الاخيرة، الى سكة العمل الصحيحة؟
قبل مدة سألت “النهار” مصادر حكومية اكدت “التحضيرات كانت جارية للجلسة، وقد يكون البحث في موضوع تحسين مطار بيروت وفي إعادة تشغيل مطار القليعات أيضاً”.
هكذا، المسألة لم تُبتّ بعد. لكن هذا الأمر لا يلغي أن ثمة إعادة تحريك للملف يُعمل عليه، إذ نظمت زيارة نيابية موسعة الى مطار القليعات، للاطلاع عن كثب وعن قرب على الوضع . الجولة من تنظيم لجنة الأشغال النيابية، وقد وُجّهت الدعوة الى غالبية أعضاء مجلس النواب، أي الى كل الكتل النيابية.
هذه الزيارة التفقدية لم تحرك المياه الراكدة في قضية مطار القليعات. يعلق رئيس اللجنة النائب سجيع عطية لـ”النهار”: “سكة العمل الصحيحة لإعادة تشغيل المطار، قد وُضعت، ونحن لن نترك الملف. في الأساس، منذ تسلمي رئاسة لجنة الأشغال، أصررت على إعطاء الموضوع الأولوية. وأعتقد أننا تقدمنا أشواطاً في هذا الموضوع. الأهم ان لا عودة الى الوراء.
يضيف عطية: ” ثمة تأكيد جدي أن إعادة تشغيل المطار ستتم. علينا أن نجهز أرضية العمل حتى يكون بدء تنفيذ العمل في التوقيت المناسب، ولا شك في أن الموضوع سيأخذ بعض الوقت. لكن المهم أن الكل اقتنع بضرورة إعادة التشغيل. إن العائق السياسي الذي كان قائماً لم يعد موجوداً اليوم. وهذا في ذاته تقدم”.
أيّ طرف كان يضع هذا العائق، وما الضمانات التي تحول دون التحجج به من جديد؟
يرفض عطية تسمية أحد، ويكتفي بالقول: “لا أعرف من وضع العراقيل السياسية. اليوم، الكل اقتنع بالحاجة الملحّة الى وضع مطار القليعات في التصرف”.
من المعلوم أن المطار أنشأته في عام 1941 “قوات التحالف”، يومها، لأهداف عسكرية. وفي عام 1966، تولى الجيش اللبناني تطويره، حتى يكون قاعدة عسكرية في المنطقة في ذلك الوقت.
سياسياً، شهد مطار القليعات على انتخاب رينيه معوّض رئيساً للجمهورية عام 1989 بعد اتفاق الطائف، ولهذا السبب سُمّي مطار الشهيد رينيه معوّض.
ولا شك في أن جغرافية المطار لها بعد استراتيجي مناطقي حيوي، إذ إنه قريب من الحدود اللبنانية – السورية، ويقع في منطقة سهل عكار، ويبعد قليلاً عن طرابلس، ونسبياً عن بيروت.
كل هذه العوامل ترفع من نسبة جدواه الاقتصادية والإنمائية، وربما لهذا السبب يضع نواب الشمال جميعهم هذا المرفق ضمن أولوياتهم، وهو بالنسبة إليهم، في منزلة واحدة لمطار بيروت الدولي ومطلب تحسينه، إذ ينبغي أن تكون إعادة تشغيل مطار القليعات وتحسين مطار بيروت في سلّة واحدة وطنياً، اقتصادياً وإنمائياً.
هذا المطلب ركّز عليه رئيس لجنة الأشغال في كل جولاته، بدءاً من رئيس الحكومة، مروراً بوزير الأشغال ووصولاً الى كل الكتل النيابية.
المهم، إذا تخطينا العائق السياسي، فماذا عن الجانب التقني – العملي، وما الخطوة الأولى الجدية التي يُفترض أن يبدأ بها المعنيون لتكوين الملفّ؟
الخطوة الأولى ينبغي أن تكون عقد جلسة لمجلس الوزراء، وعلى جدول أعمالها بند إعادة تشغيل مطار القليعات، ومن ثم فتح باب المناقصات حتى يرسو الأمر على الجهة أو الشركة التي ستتولى التجهيز تمهيداً للتشغيل.
يقول عطية: “ثمة مرسوم حكومي سابق بإعادة تشغيل المطار، بمعنى أنه لا يهم إن كانت الحكومة تصريف أعمال أو لا. الموضوع يتطلب وقتاً، لكن ينبغي أن نحضر ملفنا كي يكون جاهزاً في اللحظة المناسبة للتنفيذ، لأن الأمر يتطلب ميزانية وأموالاً”.
إذن هذه المرة، يبدو أن الموضوع جدي، برأي المعنيين، علماً بأن مطار القليعات شُغّل بين عامي 1989 و1991، أي في عز الحرب، حين كانت الأوصال متقطعة، فكان البديل المناسب… والناجح.
اليوم، شكوك كثيرة لا تزال تُطرح في قلب الملف، والتحدّيات ثلاثة:
أولاً، هل بالفعل ثمة من لا يريد التشغيل، لأن لا سيطرة له على المطار هناك، أمنياً وسياسياً؟
ثانياً، إذا فُتح باب المناقصة، فهل سيكون المسار شفافاً، لئلا نقع في المحسوبيات والتنفيعات والصفقات والتمريرات، ولئلا نصبح أمام جهة أخرى مسيطرة على مطار القليعات، وسط الشكوك التي لا تزال تحوم حول أمن مطار بيروت وسلامته؟
ثالثاً، إذا كتب النجاح هذه المرة، لإعادة تشغيل مطار القليعات، فأيّ صورة ستُقدّم لإدارة هذا المرفق الحيوي؟ وهل ستكون المنافع مرضية على حساب الدولة ككلّ وخزينتها، لا على حساب بعض الجيوب، لئلا نندم على الساعة التي طالب بها البعض بإعادة التشغيل؟!
النهار