معاملات المخاتير..أعراف غير مكتوبة وطوابع مفقودة!

منذ أسبوعين تقريباً رُزق شاب لبناني بمولود في أحد مستشفيات العاصمة بيروت، فتوجه إلى أقرب مختار في المحلة للاستحصال على وثيقة الولادة، تمهيداً لتسجيلها في دوائر النفوس، فدخل مكتب المختار المكون من ثلاث طاولات، على كل طاولة يجلس موظف، والكل منهمك بكتابة “المعاملات”، فسأل عن طلبه وأُحيل إلى إحدى الطاولات.

حان دوره، فقدم الشاب، المستندات المطلوبة وبدأ “الموظف” بكتابة الوثيقة، حتى وصل إلى “الشهود” فكتب الأسماء مع تفاصيل الهوية وقام بالتوقيع عنهما، وضع الطابع “ألف ليرة”، وفتح الجارور ليختم الوثيقة.

يُشير الشاب إلى أنه استلم الوثيقة وسأل عما يتوجب عليه دفعه فكان الجواب التالي: “700 ألف ليرة للوثيقة، وما تُريد تقديمه للشهود حلوينة الولادة”. دفع الشاب مليون ليرة وخرج. فهل الـ700 ألف ليرة هي الرسم المتوجب دفعه للمخاتير مقابل “وثيقة الولادة”، وهل يوجد أصلاً لائحة أسعار موحدة لعمل المخاتير وطبيعة المعاملات؟

مخاتير القرى.. التسعير بالمونة
هناك إختلاف كامل في عمل مخاتير القرى والبلدات الصغيرة عن مخاتير المدن. فهؤلاء، حسب مختار من بلدة جنوبية صغيرة، لا يسعّرون المعاملات.. بل يتركون لأصحاب المعاملة أن يدفعوا ما بإمكانهم دفعه. وقال “عمل المختار في القرى لا يُغنيه، فكثير من المعاملات تُنجز على سبيل الخدمات. فهناك أناس لا يستطيعون تحمل الكلفة، ومن يتحمل منهم يُترك له دفع المبلغ الذي يراه مناسباً للخدمة. فعلى سبيل المثال بحال كانت المعاملة لا تتطلب انتقال المختار من مكان إلى آخر، مثل ورقة جواز السفر أو إفادة السكن، فتكون الكلفة بسيطة، حوالى 100 ألف ليرة. أما إذا كانت المعاملة كإخراج القيد وتتطلب تنقل المختار من القرية إلى دائرة النفوس، فهنا تصبح الكلفة مرتبطة بالبنزين أيضاً. ولأجل ذلك وللتوفير على أصحاب العلاقة يقوم المختار بتجميع أكثر من طلب إخراج قيد لإنجازها في مشوار واحد، وتكون الكلفة تقريباَ 300 ألف ليرة”.

مختار المدن.. الكلفة باهظة
في المدن يختلف الحال بعض الشيء عن القرى، فالكلفة على المختار باهظة للغاية، يقول رئيس رابطة مخاتير بيروت، مصباح عيدو، مشيراً عبر “المدن” إلى أن الوضع الاقتصادي في البلد يجعل التكاليف مرتفعة، وكلها تصب في النهاية في كلفة المعاملة.
يُشير عيدو إلى أن كلفة إيجارات المكاتب تغيرت، كذلك اشتراك الكهرباء، وحتى القرطاسية وفواتير الهاتف، بالإضافة إلى كلفة النقل، و”المطبوعات” التي كان يُفترض بالدولة أن تؤمنها وهي لا تفعل ذلك، فيقع عاتق تأمينها على المختار. مشدداً على أن الكلفة على المواطن التي تُدفع للمختار تبقى أقل من كلفة تأمين الشخص للمعاملة بنفسه.

هناك ما يُشبه العرف لدى المخاتير بالنسبة لتسعير المعاملات. وبحال كان هناك فروقات بالأسعار فهي بسيطة بحدود الـ50 ألف ليرة. ويشير عيدو إلى أن الكلفة تتغير حسب الوضع الاجتماعي للحي أو المنطقة. كذلك هناك كثير من الخدمات التي يُقدمها المختار مجاناً لأبناء حيّه، كون المخاتير يعرفون السكان ويعرفون وضعهم الاقتصادي.

الطوابع.. جرح ملتهب
يصف المختار عيدو مشكلة الطوابع بالجرح الملتهب، فوزارة المالية لا تؤمن الطوابع. وتم استبدالها منذ أشهر عبر تعميم حمل الرقم 3 بتاريخ 31 كانون الثاني 2023، ينص على أنه “فيما خص إشعار التسديد، يتم استيفاء إشعار تسديد رسم الطابع المالي (إشعار تسديد ص 14) خارج صناديق وزارة المالية من قبل المرجع (فرع المصرف، الشركات التي تعاقدت معها وزارة المالية لإستيفاء الضرائب والرسوم) وذلك مهما بلغت قيمة الرسم”. وهذا ما سهل عمل المخاتير، حسب قول عيدو. لكن المشكلة أن بعض المؤسسات لا تقبل بهذ الأمر، كمؤسسة كهرباء لبنان على سبيل المثال، ووزارة الخارجية التي تمتلك ماكينة وسم، لكنها لا تعمل طوال النهار، مما يُضطر صاحب المعاملة لتأمين الطوابع.

يصل سعر طابع الألف ليرة إلى 100 ألف ليرة، حسب عيدو. هذا بحال وُجد، أما طوابع المخاتير فهي مؤمنه لدى الصندوق التعاوني للمختارين، حيث كان للمدير عام بُعُد نظر، فعمل على تأمين احتياط استراتيجي من طوابع المخاتير. ويشدد عيدو على أن فقدان هذه الطوابع سيعني توقف العمل كلياً في الدولة اللبنانية.

المصدر: المدن