ما سيقوله لودريان للبنانيين هذه المرّة خطير جدًّا!
قد تكون زيارة الموفد الفرنسي الرئاسي جان ايف لودريان للبنان هذه المرّة مختلفة كليًا عن الزيارات السابقة. وهذا الاختلاف يعود في الأساس إلى خطورة ما سيقوله “صديق لبنان” إلى جميع اللبنانيين. هذا ما يعتقده كثيرون. وهذا ما توحي به الظروف غير الطبيعية التي تمرّ بها المنطقة على وقع الحرب على غزة، وإن تخللتها “هدنة إنسانية”. على أغلب الظنّ أن الموفد الفرنسي سيحمّل جميع القوى، وإن بنسب متفاوتة، مسؤولية عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وقد مضى على الشغور الرئاسي سنة وشهر.
ووفق بعض الذين يعتبرون أنفسهم على تماس شبه يومي مع الاليزيه فإن ما يحمله لودريان معه من معطيات وتوجيهات هي خلاصة ما تجمّع لدى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من معلومات أكيدة بالنسبة إلى ما يُخطّط للمنطقة انطلاقًا من حرب غزة الشديدة التعقيد،بعدما دخل على خطّها أكثر من معطىً وأكثر من تطور وأكثر من “سيناريو” لما بعد الهدنة. ومفاد هذه الخلاصة الفرنسية أن أمام اللبنانيين فرصة مؤاتية لانتخاب رئيس لجمهوريتهم، وعليهم عدم اضاعتها هذه المرّة، لأنه يُخشى أن تسبقهم التطورات المتوقعة والمحتملة وتضيع منهم فرصة أن يكون لديهم رئيس، مع ما يعنيه هذا الأمر سياسيًا ودستوريًا وميثاقيًا وانتظامًا للعمل المؤسساتي.
فعدم وجود رئيس لجمهورية لبنان يعني بالنسبة إلى الفرنسيين تغييب لبنان عن المشاركة في تقرير ما يمكن أن يُرسم له من أدوار من ضمن المخطّطات الكبرى، التي ستجد طريقها إلى التنفيذ بطريقة أو بأخرى. ومن دون هذا الرئيس المطلوب أن يُنتخب اليوم قبل الغد، بغض النظر عمّن سيقع عليه الاختيار، ستبقى كل المؤسسات الدستورية معطّلة، وهي لن تستطيع بالتالي أن تكون مشاركة في اتخاذ أي موقف بشأن مصير القرار 1701، خصوصًا أن لا شيء مضمونًا حتى الآن بالنسبة إلى توسعة الحرب في الجنوب لتشمل كل لبنان، وإن كان يبدو هذا الاحتمال أقل من السابق، ولكن لا يمكن إسقاطه من الحسبان.
فلبنان يقف الآن على شفير هاوية. هكذا تراه فرنسا. وهذه هي حاله في غياب دور فاعل للمؤسسات بفعل استمرار تغييب رئيس الجمهورية المفترض أن يكون ضابط إيقاع.
ففرنسا التي لعبت أدوارًا مهمة بالنسبة إلى ما أبدته من حرص أكيد على هوية لبنان القائمة على توازنات دقيقة لا تزال ترغب في مساعدة لبنان للخروج من أزماته. ولا تزال تعتقد أن أقصر الطرق لهذا الخروج، الذي لا يزال ممكنًا ومتاحًا، هو الطريق المؤدي إلى بعبدا.
فأمام اللبنانيين فرصة قد تكون تاريخية لكي يتوافقوا على رئيس يكون مستعدًّا للعب دور “الفدائي”، لأن ما هو منتظر منه يفوق قدرة من هم عادّيون ويصلحون لزمن غير هذا الزمن. المسؤولية كبيرة وتحتاج إلى رجل دولة تكون أكتافه عريضة لكي يستطيع أن يمرّر ما يمكن أن يتعرّض له لبنان من متغيّرات بأقل ضرر ممكن.
ويأتي تحرّك لودريان في هذا الظرف بالذات بعدما بلغ إلى مسامع الفرنسيين بأن الدوحة تتحضّر لدور ناشط على الخطّ الرئاسي بعدما نجحت في إرساء “هدنة إنسانية” في غزة بمواكبة أميركية – إيرانية مباشرة. وقد يكون لتحرّك فرنسا تجاه لبنان علاقة بما نتج في مراحل سابقة من سوء فهم للدور الفرنسي، خصوصًا من قِبل بعض الأطراف المسيحية، التي سبق لها أن وصفت “المبادرة الفرنسية” بـ “المنحازة” لغير الخيار، الذي يعتقده بعض المسيحيين مخالفًا لتاريخية تعاطي فرنسا مع لبنان.
ووفق الاجواء الفرنسية المحيطة بزيارة لودريان فان باريس تعتقد انه من الممكن احداث خرق جديد في جدار ازمة الاستحقاق الرئاسي اللبناني في هذه المرحلة، لكن من المهم ايضا ان يدرك اللبنانيون ان لا أحد يستطيع ان يحل محلهم وان المسؤولية في انتخاب رئيس للجمهورية تقع على عاتق النواب وسائر الكتل النيابية.
المصدر: لبنان 24