بعد مرور نحو 4 سنوات على الأزمة المالية والاقتصادية وتعثّر القطاع المصرفي واحتجاز أموال المودعين، ينتظر اللبنانيون حلا لهذه المشكلة وذلك من خلال الإصلاحات المالية وإعادة هيكلة المصارف واستعادة الأموال أملا بعدم ضياع “جنى العمر”، وفي هذا الإطار أحال نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي على مجلس الوزراء مشروع هيكلة المصارف وإعادة تنظميها في انتظار إقراره في جلسة قريبة للحكومة تمهيداً لتحويله الى المجلس النيابي، فهل وضع لبنان على الطريق الصحيح لإعادة الحياة للقطاعين المصرفي والمالي؟
يُشير خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد الدكتور محمد فحيلي لـ “لبنان 24” إلى انه “بعد مرور نحو 4 سنوات من التخبط النقدي والاقتصادي والمالي والاجتماعي، أفرزت الأزمة نوعين من المصارف، مصارف قادرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد وتملك ما يكفي من رأسمال ايجابي يُخولها الاستمرار في تقديم الخدمات المصرفية للمواطنين، والمصارف التي أفلست وأصبحت غير قادرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد وبالتالي يجب وضع اليد عليها”.
واعتبر فحيلي ان “دعم المصارف القادرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد وتقديم الخدمات المصرفية غير كافٍ لأن انعدام الثقة بالقطاع المصرفي دفع المواطن اللبناني للجوء إلى البديل لتمويل فواتير الاستهلاك والاستثمار وفواتير المصارف التشغيلية من هنا الاندفاع نحو الأوراق النقدية والاقتصاد النقدي ولهذا السبب،فان مُقاربة إعادة هيكلة القطاع المصرفي من قبل الحكومة او مصرف لبنان يجب ان يتم التركيز فيها على وفرة الرأسمال الإيجابي والثقة لإعادة الحياة للقطاع المصرفي.”
دور لجنة الرقابة على المصارف
وهنا يلفت فحيلي إلى “أهمية دور لجنة الرقابة على المصارف لأنها السلطة صاحبة الاختصاص التي تستطيع ان تفرّق ما بين المصارف القادرة على الاستمرار بخدمة الاقتصاد والمصارف المُتعثرة”.
ويعتبر فحيلي ان “التعميم رقم 154 الذي أصدره مصرف لبنان في آب 2020 يُشكّل المنطلق الأساسي لإعادة هيكلة القطاع المصرفي حيث يُلقي الضوء على 3 ركائز أساسية: الأولى الشروع إلى تقييم جدي ومنطقي من قبل المصارف للموجودات والمطلوبات من دون الغوص بمعمعة سعر الصرف، ثانيا تأمين سيولة تستطيع من خلالها المصارف تقديم خدمات للمواطنين كما في السابق، داخليا من خلال عودة الإقراض إلى السوق المحلي وهذا الأمر ضروري في تمويل فواتير الاستثمار والاستهلاك، وخارجيا من خلال إيداع لدى المصارف المُراسلة 3% من حجم ودائع المصارف بالدولار المحلي خالية من أي التزامات، أما الركيزة الثالثة فهي مُحاسبة المصرفيين والمصارف بفعل الإرتكابات غير القانونية وغير المناقبية التي مورست”.
ويؤكد فحيلي” أن هذه الركائز بحد ذاتها هي الحجر الأساس لإطلاق عجلة الثقة بالقطاع المصرفي”،مشددا على “انه على السلطة السياسية العودة للتعميم رقم 154 وعلى السلطة النقدية بدورها العودة لإعادة تفعيل عمل لجنة الرقابة على المصارف لأنها الخطوة الأساسية لإعادة هيكلة القطاع”.
ويضيف فحيلي: “جمعية المصارف تُشير باستمرار إلى ان البنوك بدأت إعادة الهيكلة ولكن في الواقع هذا الكلام غير دقيق لأن ما فعلته هو النظر إلى المصاريف التشغيلية لديها والتخفيف منها لكي تستمر وجوديا وليس بالضرورة الاستمرار في خدمة الاقتصاد لأن هناك مصارف حاليا تقوم فقط بتأمين النقد للتعميمين 158 و151 وكانت تستفيد من منصة صيرفة، وبالتالي التخفيف من المصاريف التشغيلية ليس إعادة هيكلة بل إعادة الهيكلة تتم من خلال الاستمرار في خدمة الاقتصاد ووفرة السيولة لتقديم الخدمات المصرفية”.
ويُشدد فحيلي على ان “الخطوات الأساسية في سياق إعادة هيكلة المصارف ترتبط بتعميمين أساسيين هما الـ 154 والـ 165 الذي يطلب من المصارف اللجوء إلى زبائنها لفتح حسابات “فريش” بالدولار وبالليرة وبموجب فتح هذه الحسابات يُقدم المصرف بطاقات دفع إلكترونية وشيكات مصرفية، وعودة هذه الخدمات المصرفية ولو بشكل خجول يبقى أساسيا وضروريا لإعادة الحياة للقطاع المصرفي”.
ويقول: “على السلطتين السياسية والنقدية تقديم اغراءات لأصحاب المؤسسات للعودة إلى توطين رواتب الموظفين وتقديم إغراءات أيضا للشركات وللموظفين لكي يتمسكوا بتوطين رواتبهم في المصارف أي ان يكون هناك نقلة نوعية من الاستبعاد المالي الذي تمارسه المصارف والمؤسسات المالية منذ نحو 4 سنوات إلى العودة للشمول المالي، وفي هذه الحالة فقط يُمكن إعادة الحياة إلى القطاع وترميم الثقة بين المصارف والمواطن .
ad
ماذا عن تقييم المصارف؟
يُشير فحيلي إلى ان “تقييم أوضاع المصارف الـ 14 الكُبرى الموجودة في لبنان من قبل شركات عالمية أتى بطلب من صندوق النقد الدولي من خلال الاتفاق المبدئي الذي تمّ مع الدولة اللبنانية”، ويُضيف: “السبب وراء هذا الطلب هو الكلام الذي أثير منذ فترة عن منح رخص لمصارف جديدة موزعة طائفيا فكان الهدف من هذا الطلب ان تقوم جهة مُحايدة بتقييم المصارف الكبيرة على اعتبار انها ستكون الأكثر حظا بالاستمرار في خدمة الاقتصاد اللبناني”.
ويُتابع: “انا أؤكد انه يجب الالتزام بأحكام التعميم الأساسي رقم 154 الذي هو تعميم لإعادة الهيكلة والسيولة للقطاع المصرفي ولمحاسبة المصارف غير المُمتثلة لأحكام تعاميم مصرف لبنان وقانون النقد والتسليف، وهذا امر كافٍ لانتاج تقييم موضوعي للمصارف في لبنان والسلطة صاحبة الاختصاص بهذا الأمر هي لجنة الرقابة على المصارف”، مؤكدا وجود دور أساسي للسلطة السياسية لإعادة الحياة لهذا القطاع وتفعيل عمل لجنة الرقابة على المصارف من خلال تعيين بديل لأحد أعضاء اللجنة الذي قدّم استقالته منذ فترة”.
وبرأي فحيلي، “إعادة هيكلة مصرف لبنان أهم من إعادة هيكلة القطاع المصرفي لأنه يجب فصل لجنة الرقابة على المصارف عن “سلطنة” البنك المركزي وان تكون هذه اللجنة قادرة على العمل من دون العودة إلى الحاكم، وهذا الأمر ينطبق أيضا على هيئة التحقيق الخاصة وفي هذه الحالة نكون قد نشرنا ثقافة الموضوعية والحيادية والمهنية في عمل الهيئات الرقابية”.
ولابد من التذكير في الختام ان القطاع المصرفي في لبنان كان لسنوات طوال ركيزة رئيسية للاقتصاد، وتمكّن من جذب الودائع ورؤوس الأموال سواء من المستثمرين العرب أو المغتربين، وبلغت قيمة الودائع الإجمالية في ذروتها أكثر من 150 مليار دولار قبل بدء الأزمة عام 2019 .