ليس تفصيلًا أن يخرج الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان من اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين اللبنانيين والشخصيات السياسية غير مرتاح وغير مطمئن، وإن كان اللقاء بينه وبين رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، الذي لم يدم أكثر من سبع دقائق، هو الأكثر دلالة على أن ثمة شيئًا في الأفق السياسي غير منتظم، بغض النظر عن الرفض الباسيلي في المطلق الحديث من قِبل أي كان عن موضوع تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جوزاف عون، لا من قريب ولا من بعيد. ومن شأن هذا الرفض القاطع من قِبل باسيل، وقبله الرئيس السابق ميشال عون، الذي نُقل عنه أن هذا التمديد لن يمر إلا على جثته، أن يزيد الشرخ المسيحي، بين بكركي و”ميرنا الشالوحي” أولًا، وبين الأخيرة و”معراب” ثانيًا، وبينها وبين “اليرزة” أولًا وأخيرًا. وهذا الأمر، أي “الشرخ المسيحي” الآخذ في الاتساع، يزيد من قناعة من هم مقتنعون بوجهة نظر الرئيس نبيه بري من أن الأزمة الرئاسية، ومن ضمنها أزمة قيادة الجيش، هي نتيجة الخلاف المسيحي – المسيحي.
Advertisement
وفي رأي بعض الأوساط السياسية أنه لو لم يكن العماد عون يشكّل عقدة سياسية بالنسبة إلى باسيل، بغض النظر عن الخلاف الشخصي بين الرجلين، لما كان كل هذا “الاستقتال” للحؤول دون التمديد له ولو لفترة 24 ساعة قد أخذ هذا المنحى التصعيدي، خصوصًا أن رئيس التيار، الذي ينتمي إليه وزير الدفاع الوطني العميد موريس سليم، يدرك أن موضوع التسريح أو التمديد لن يمر إلا عبر الوزير المختصّ، وفق ما ينصّ عليه قانون الدفاع الوطني، الذي يعطي وزير الدفاع كامل الصلاحيات في هذا الموضوع، وإن كان البعض يرى أن الحلّ النهائي لا يمكن إلا أن يعالج بـ “السياسة”، لأنه ليس في قدرة البلاد تحمّل المزيد من الخضّات، وأنه لا يمكن “اللعب” بمصير المؤسسة العسكرية، التي لا تزال من بين مؤسسات الدولة القليلة الصامدة في وجه الأزمات الاقتصادية وما يكمن أن تكون عليه التطورات في غزة وفي الجنوب اللبناني
فمشكلة جبران باسيل ليست مع العماد عون فقط، والأسباب كثيرة وباتت معروفة، بل مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ومع الرئيس نبيه بري، ومع رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، ومع “القوات اللبنانية”، ومع “حزب “الكتائب اللبنانية”، ومع عدد من النواب التغييريين والمستقلين، ومع “حزب الله” إلى حدود معينة، ومع “الحزب التقدمي الاشتراكي” وفق ما تقتضيه مصالحهما المشتركة، ومع كثير من “أهل التيار”، الذين يعارضون نهجه “الاستقوائي”. وقد لا يكون “اللقاء العاصف” بينه وبين لودريان بصفته ممثلًا لفرنسا ومجموعة الدول الخمس، المشكلة الأخيرة التي يمكن أن يواجهها رئيس “التيار العوني” خارجيًا، خصوصًا أن الدوحة لم تعد مقتنعة كثيرًا بحججه، وهي التي تلاقي فرنسا في منتصف طريق التمديد للعماد عون.
فما قاله لودريان في لقاء “السبع دقائق” أستفز باسيل كثيرًا، لأنه قال له إنه الوحيد الذي يعارض تأجيل تسريح قائد الجيش، وأضاف عليه كلامًا اعتبره “صاحب الدار” تدخلًا سافرًا في شأن لبناني بحت. إلا أن لودريان أصرّ على أيصال ما يحمله من رسائل عندما قال لمضيفه “أن الفراغ في قيادة الجيش يمسّ بأمن لبنان وبأمن فرنسا وأوروبا”.
ولأنه يعتمد على ورقة صلاحيات وزير الدفاع سمح باسيل لنفسه بأن يقول لضيفه كلامًا عالي السقف، ومفاده وفق ما تمّ تسريبه من داخل “التيار” أنه “ربما كان لنا كلام آخر لو لم تكن هناك مخارج قانونية. ولكن في ظل وجود هذه المخارج، فإنّ أحداً لن يجبرنا على تغيير موقفنا، حتى لو بقينا وحدنا. وإذا كنا فعلاً وحدنا، فاذهبوا ومدّدوا له ولا تنتظرونا”.
فالمسألة كما تراها أوساط سياسية محايدة ليست قصة “الرمانة”، بل “القلوب المليانة”. ولو لم يكن العماد عون يشكّل خطرًا على مستقبل باسيل السياسي لما كان كل هذا الإصرار على تطبيق القانون، الذي أصبح وجهة نظر. فلو افترضنا أن قائد الجيش كان “مطواعًا” و”خاتمًا” في يد من كان يعتبر أن “أوامره” لا تُردّ هل كان التمديد له لا يخالف مبدأية باسيل؟