“هارفارد” “تطبطب” على المصرفيين وتسلخ جلد الدولة والمودعين!
«تطنطن» الأوساط المصرفية، ومن في فلكها، منذ أكثر من 10 أيام بدراسة (أو ورقة حل) صادرة عما يسمى «مختبر النمو» في جامعة هارفارد. يدّعي «المطنطنون» أنها تتضمّن اقتراح حل خارجي اكاديمي محايد للأزمة، يؤكد أن على الدولة تحمل عبء ردّ الودائع لأصحابها وليس المصارف. وأغفل هؤلاء عمداً جملة نقاط ظاهرة وأخرى مخفية مخيفة في الورقة مؤداها أن هارفارد في اقتراحها «تطبطب» بحنو بالغ على المصرفيين وتسلخ جلد الدولة والمودعين… كيف ذلك؟
1 – تتجاهل ورقة الحل الاعجازي «الهارفاردية» مسألة المحاسبة كلياً. ولا تأتي على ذكر أي مساءلة بتاتاً، كأن لا خطأ وقع ولا خطيئة ارتكبت. فالأزمة ليست من صنع أحد في القطاع المصرفي ومصرف لبنان وطغمة السياسيين المستفيدين من الإثنين معاً.
2 – أخذت بسردية الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة والمصرفيين الزاعمة أن المودعين لم يستطيعوا الوصول الى ودائعهم بعدما علقت الدولة سداد «اليوروبوندز». والحقيقة التاريخية الثابتة تؤكد أن «التعليق» حصل في آذار 2020، بينما بدأ تعذر الحصول على الودائع منذ نهاية صيف 2019، وتفاقم التوقف عن دفع الودائع لطالبيها بعد إقفال المصارف أبوابها اثر اندلاع ثورة 17 تشرين. كما ان الليرة كانت بدأت تخسر قيمتها قبل اشهر طويلة من تعليق دفع سندات «اليوروبوندز».
3 – اعتمدت الدراسة مقولة إن مصرف لبنان موّل الدولة من أموال المودعين من دون أي تدقيق فيها. والحقيقة ان ميزانية مصرف لبنان أدرجت هذه السنة فقط مبلغ 16.5 مليار دولار على أنه دين على الدولة منذ 2007، بيد أنّ وزراء المال المتعاقبين رفضوا الاعتراف بهذا الدين منذ تلك السنة حتى تاريخه، وهو غير مسجّل في اي قيد من قيود الدولة. كما سجل مصرف لبنان هذه السنة في ميزانيته اكثر من 42 مليار دولار خسائر في بند ما يسمى «صندوق تثبيت سعر الصرف»، وهي في معظمها فرق فوائد لمصلحة البنوك، ولتمويل تجار مستوردين استفادوا بمليارات الدولارات من تثبيت سعر الصرف، ولأدوات أخرى في كازينو مصرف لبنان، كما جاء تفصيله في تقرير التدقيق الجنائي. أما سلفات الخزينة لكهرباء لبنان فكانت عبارة عن عمليات صرافة، إذ كانت تخصص للكهرباء ليرات، في الموازنة العامة للدولة، تأخذها وتستبدلها بدولارات من مصرف لبنان برضى سلامة، أما الحاكم بالإنابة وسيم منصوري فرفضها، وكان له ما قرّره، ويا دار ما دخلك شر!
4 – تقترح الدراسة، لحل الأزمة، تنظيف ميزانيات مصرف لبنان والمصارف من خسائر (ودائع تبخرت) بنحو 76 مليار دولار، وتحويلها الى شهادات دين على عاتق الدولة. توزع منها على 90% من المودعين الذين تزيد ودائعهم على 100 الى 150 الف دولار. أما شريحة الودائع الصغيرة (100-150ألفاً) فيردها لأصحابها مصرف لبنان وليس المصارف (وفق الدراسة) وتحديداً من الاحتياطي المتبقي ومخزون الذهب.
5- شهادات الدين التي حوّلت على عاتق الدولة يجري التعامل معها، وفق ورقة مختبر التنمية في جامعة هارفارد، على قدم مساواة مع سندات «اليوروبوندز»، وتخضع لتفاوض مع من يحملها لإجراء حسم كبير من قيمتها (حتى 85%) وبالتالي ستتعرض لاقتطاع قسري قاس جداً (هيركات) ولن يأخذ المودعون من الجمل إلا أذنه.
6 – قرنت الدراسة ضرورة «الهيركات» القاسي بضرورة الاتفاق مع صندوق النقد ليقبل بعقد اتفاق نهائي مع لبنان. بحيث يُحترم مبدأ استدامة الدين العام الضامن لقدرة الدولة على السداد، سواء الديون القديمة المهيكلة باقتطاع كبير منها، أو الديون الجديدة التي ستعقدها الدولة مع الصندوق وآخرين.
7 – الأنكى، أن ورقة الحل تقترح، لانقاذ البنوك التي تريد الاستمرار وليس لدى ملاكها المال للرسملة، أن يقوم مصرف لبنان بحقن رأسمال فيها على شكل دين مرتبط بضمان.
الخلاصة هي ان الودائع بين 100 و150 الف دولار يدفعها مصرف لبنان على مدى سنوات طويلة مقبلة. وما فوق ذلك ينهش لحمه «الهيركات» الظالم جداً. وتستمر المصارف في عملها كأنّ شيئاً لم يكن، مع منع الاقتراب من ثروات المصرفيين وعائلاتهم، ولا من ربح تحقق من فوائد الدين العام والهندسات المالية ومن أكثر من 32 عملية انقاذ مصرفي على حساب المال العام .
تبقى الاشارة الى أن الدراسة توَّجت الحل السحري بنصيحة الدولرة الشاملة، على أنه الترياق الشافي للاقتصاد اللبناني! علماً ان الدولرة تسمح للبنوك بالخروج من تحت السلطة النقدية (مصرف لبنان) ما دامت تتعامل بعملة أميركية وليست محلية… وبذلك ندخل في نظام «بنكوقراطي» سافر الوجه، وليس محجّباً بخمار خادع كما الحال حالياً.
المصدر: CH23